ليس زوجي المعاق الجزء الثاني
(مالك القلب)
الفصل الأول
(2)
شعرت بالاختناق من المنزل وقررت النزول إلى الأسفل قليلا لشراء بعض أغراض الطعام، فتحت الكتاب الخاص بالطبخ الذي أعمل عليه حاليا وحددت المكونات التي أحتاج إلى شرائها، ارتديت ملابسي ومررت بأمي وأبي، حالما رفع أبي نظرة عن الجريدة ورآني بملابس الخروج ظهرت علامات الامتعاض على وجهه أنزل نظارته الطبية وترك القلم فوق الجريدة بعصبية وتمتم بازدراء.
ليس زوجي المعاق الجزء الثاني (مالك القلب) |
"ذاهبة لشراء الطعام بالطبع"
"أجل أبي"
الحديث بيننا جامد أنا أمثل له
ولأمي خيبة أمل كبرى فشل لا مثيل له يستمر بجلب المصائب لهم، أما عنه فهو يمثل لي
أبي فقط هكذا ولا شيء أخر لا صاحب ولا حبيب ولا حتى قريب مجرد احترام لأنه أبي،
أخرج عدة ورقات نقدية وتمتم "أحضري أدويتي أنا وأمك" هززت رأسي
"تريدين شيء أمي؟"
"لا تتأخري"
"حسنا وداعا".
ذهبت من أمامهم وكالعادة تحدث كل منهم مع الآخر وأنا اسمع كل كلمة جيدا
"دعها تذهب ولا تشدد عليها بالخروج هكذا، عسى أن يرزقها الله بعريس ما"
"من كل عقلك هل ستأتي هذه الفتاة بأي عريس بعد كل هؤلاء الذين
رفضتهم؟"
توسلت بقله حيلة "لا نعلم أين هو النصيب يا منعم، عل وعسى!"
صفقت باب المنزل لا أريد سماع البقية وأدخلت النقود التي لن تكفي شراء
الدواء الخاص بهم، أعطاني والدي المال وهو يعلم جيدا أنه لا يكفي للدواء وأنه
يتوجب علي وضع جزء من مالي الخاص لإكمال شراء الدواء.
رجاء لا تفهمون الأمر بشكل خاطئ أنه ليس بخيل لا أبدا.. هو فقط يرى
الأمور بوجهه نظر مختلفة ...
أولا:_ يجب علي المساهمة في مصروف المنزل الذي أقيم به فأنا أنام وأكل
وأشرب وأستخدم مياه وكهرباء وأتنفس حتى! به، وكل هذا دون أي مقابل مني كما سترون
بعد قليل.
ثانيا:_ كي لا أعود إلي شره الطعام واكتسب الكثير من الوزن مرة أخرى.
أجل لقد سمعته بأذني يخبر أمي " أعلم أن المال الذي أعطية لها قليل
ولا يكفى لشراء حاجيات المنزل دعيها تساعد معنا بدلا من صرف نقودها على الطعام
اللعين واكتساب الوزن مرة أخرى".
***
تجاهلت نظرة الجارة المتعالية التي التوت شفتيها وتمتمت بكبر وتعالي لا
أعلم له مصدر سوى أنني رفضت الثلاث عرسان التي أتت لي بهم،
وبنفس النبرة الباردة البطيئة المعتادة سألت "ذاهبة إلى
السوق؟".
أكره الفضول والتطفل بشكل لا يوصف ولكنني لست مكسورة الجناح .. لا لا لا
، لن أسمح لها أو لغيرها بلي ذراعي لقد اكتفيت تماما.
لم أنظر لها حتى وأكملت طريقي وتمتمت لها ببرود مطلق "مساء
الخير" ونزلت الدرجات،
تحدثت بسرعة بدلا من نبرتها
الميتة "هلا أتيت لي بغرض ما من السوق؟" ولكنني لم أجيبها بالطبع لأنني
لن أحمل لها شيء لست خادمة لها .. بل لست مدينه لها بأي شيء.
رأيت الجار المنهك من العمارة المقابلة لنا ينزل أمامي ويسير ببؤس، لا بد
وأن السبب زوجته التي تتهمه بالبخل ليل نهار، سرت بطريقي أراقب الأطفال يلعبون على
الرصيف وتقدمت بالطريق أكثر وأنا أرى تجمع سخيف سئمت منه ومن مشاهدته كل مدة!.
أسرعت الخطى بعصبية بالغة وألقيت بذراع حقيبتي على كتفي بطريقة معاكسة كي
تصبح كل من يداي حرة التصرف وأمسكت بأذن أول صغير استطعت الوصول إلية وزمجرت بقوة
"ما هذا الذي تفعلونه؟!، أقسم ألا أترككم اليوم سوى بقسم الشرطة لقد سئمت
منكم ومن تصرفاتكم الغبية!".
كان غضبي عالي للغاية وتجمع بعض المارة، فر الصبية الذين تجمهروا حول
المسكين يقذفونه بالطوب لأنه بسيط العقل ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه، كان ينزوي
إلى جوار السور ويخبئ وجهه ب كلتا ذراعية ويعطيهم ظهره.
حاول أحد المارة تخليص الصبي من يدي ولكنني أحكمت كل من قبضتاي عليه
اعتصر أذنه وأعنفه، وبيدي الأخرى أمسكه من مقدمة ملابسة كي لا يفلت مني وينجح في
محاولاته المستميتة للفرار.
"السماح يا أستاذة هذه أخر مرة، أليس كذلك يا ولد"
اهتجت أكثر وفارت الدماء بصوتي
"كلا سوف يودع بالأحداث اليوم، لن أتركة من يدي هل تفهم؟"
تحدث معي وكأنه يرضي طفلة صغيرة
"أخر مرة يا أستاذة أعدك، أليس كذلك يا ولد؟"
زمجرت به "حقا!!، هل تظنني جدباء؟ لمَ لم ترنا شهامتك هذه وخرجت من
محلك وهم يقذفونه بالطوب والألقاب؟ ظهرت الشهامة الآن؟!".
كشر عن أنيابة "لمَ الصراخ يا أستاذة، سوف أمررها فقط لأخيك المهندس
مهند، ثم أنه لا يبالي ويسامحه"، ونظر بسماجة إلى المسكين الذي يشاهدني
بانكسار وأنا أجلب له حقه وقال بنبرة تهكمية بالغة على أنه لا يعي أي مما أفعلة من
أجلة
"أليس كذلك يا ..
مالك؟".
دون أن ينظر لي مالك نظر أرضا بذل وتمتم بتلعثم بالغ فهو لدية مشكلة
بالنطق
"أ أجل .. أسا م حه"
رغم عني تركت الصبي الذي فر
بسرعة إلى حضن أمه، كانت امرأة مسكينة لم أرد أن أزد عليها بؤسها هددتها ملوحة
بإصبعي
"إذا اقترب من مالك مرة
أخرى لن أتركة سوى بقسم الشرطة، هل تفهمين ذلك جيدا".
ربتت على صدرها بسرعة تتوسل برعب
"لن يعيدها مرة أخرى أعدك، اقسم أن هذه أخر مرة"
تمتمت بامتعاض
"من الأفضل لأنني لن أترك هذا الأمر"،
جرته وركضت سريعا ونظرات السمج
تنهشها أبغض هذا الشخص هكذا
"لله في لله" مثلما يقال، غير مريح
بالمرة!.
ذهبت إلى مالك الذي يذوب وينزوي أكثر وأكثر
بداخل السور
"لمَ لا تدافع عن نفسك مالك؟
أنا أكيدة من أنك تستطيع فعل ذلك"،
التفت عني وهو يخبئ وجهه بذراعه،
لا أعلم الكثير عن حالته .. لكن يبدو أنه خجلا مني أنا لأنني دافعت عنه، لمَ لا؟
فهو رجل بالنهاية له كرامته لكن .. أقسم
أنني لم أقصد أي من هذا!.
تمتم بخزي "لا لا أ ريد أ أن يك كرهني
أحد"
وبدا أنه يريد إنهاء هذا الحوار سريعا "ع
علي ال الذهاب" وذهب سريعا من أمامي، نظر لي السمج بتعالي وتفكه، شملته بنظرة
سريعة من أعلى لأسفل ومضيت في طريقي وشعرت بوخز في ظهري أكيده من أن هذا الحقير
ينظر لي.
***
عندما عدت إلى الشارع مرة أخرى وجدت قدمي تسوقني
إلى ورشة مالك، لا اعلم ما هي علتي اليوم؟ لكن للحق لطالما شغل مالك جزء من تفكيري
منذ الصغر وكم يعاني هذا المسكين مما يلاقيه يوميا على يد أوغاد هذا الشارع كبار
وصغار.
باب زجاجي عملاق يفصل بين مالك وبين الشارع،
دلفت إلى الداخل وتنعمت لوهلة ببرودة المكيف.. لم يكن ينحت على خشبة كعادته بل
ينزوي بجانب ويضع رأسه بين كفيه بإحباط والتفت إلي حالما دخلت ووقف سريعا.
أنزلت الأكياس من يدي بهدوء واستأذنت منه
"هل يمكنني الدخول؟".
هز رأسه سريعا بطريقة بها نوع من الخضوع هل
يخشاني مالك؟،
"آسفة لما بدر مني منذ قليل، لم أقصد أن
يعلو صوتي هكذا ويتجمع الناس من حولنا أنا فقط أردت أن أخيفهم كي لا يعيدون الكرة
مرة أخرى، رجاء أعذرني".
نظر حوله قليلا بارتباك وكل من كفيه ينقبضا
وينبسطا إلى جانبية
"لا لا داعي للا عت ذار"،
لم يبدو عليه أي تفاعل في الحقيقة!، لقد بدا
جليا أنه يريد مني الذهاب، لملمت خيبتي ثم تذكرت قالب الكاكاو وأخرجته من الأكياس
"هذه لك كي تسامحني"
لمعت عيونه وارتسمت بسمه طفولية على وجهه سريعا
وتقدم نحوي بسعادة طفل صغير يعشق الحلوى وأخذه بترحاب "ش شكررا" ابتسمت
له بشدة
"عفوا، جيد أنني لازلت أذكر حبك
للكاكاو"
ابتسم بخجل واضح حتى احمرت أذنيه
"أ أجل لا لا زلت أ أحب بها".
فرحت بشدة له بسمه حنونة تدفعك إلى الابتسام
تلقائيا، تناولها من يدي بحبور لكنه لم يفتحها على الفور وبدا وكأنه تسرع في لهفته
وحرج مني مرة أخرى.
رفعت يدي ولوحت له "حسنا وداعا مالك، أراك
على خير"
هز رأسه بطريقته وتلعثم
"ش
ش شكرا"
ورفع اللوح بارتباك، لوحت بيدي وخرجت إلى حرارة
الشارع مرة أخرى وأنا أكيدة من أنه لازال ينظر في أثري.
حالما دلفت إلى المبنى خاصتي دلفت الكآبة إلى
صدري مرة أخرى، الهواء هنا برائحة الخزي والإحباط!، أغمضت عيني لوهلة وصعدت
السلالم بثقل أتجاهل ركوب المصعد كي أتحرك أكثر وأحرق المزيد من السعرات، مثلما
أتعمد عدم ركوب المواصلات والذهاب سيرا إلى معظم الأماكن لو أمكن الأمر.
أغلقت الباب خلفي وخلعت حذائي وشملني أبي بنظرة
غير راضية كعادته وعاد إلى الشرفة وتنفست الصعداء أنه لم يرى مشاجرتي الصغيرة!،
وإلا كنت نلت تقريع حار على ذلك الأمر.
بدلت ثيابي وأخرجت آلة التصوير خاصتي ومعدات
الإضاءة وموقد صغير أقوم بالطهي علية أثناء التصوير وقمت بإعداد الوصفة التي أحضرت
مكوناتها ومن ثم أنهيت التصوير وأخرجت الوصفة بنجاح.
هذا هو عملي، ولا.. لم أختره بإرادتي بل لأنني
فشلت في الاستمرار في أي من الوظائف التي أتى لي بها أخي.
فاضطررت إلى ابتكار شيء يحفظ ماء وجهي ويجعلهم
يكفون عن محاولات إخراجي من المنزل، ليس وكأنني عاشقة للجلوس معهم بل، لأن الخارج
أسوء من هنا بكثير فكان علي الاختيار بين أقل الضررين.
حملت الصينية التي تحتوي على الأطباق وارتديت
إسدال الصلاة وصحت وأنا أمام الباب "أمي أنا صاعدة إلي أميرة" وذهبت دون
أن أنتظر إجابتها.
عجبا لغزال قتال عجبا
يتكرر اللحن والكلمات بعقلي كلما فكرت بأميرة
لقد مر أكثر من ساعتين إلى الآن وهذه عادتها تأخذ قيلولة لساعتين ثم تستيقظ.
فتحت لي والدتها وبالكاد رسمت ابتسامة مجاملة لي
فهي لا تريدني إلى جوار أبنتها بأي شكل من الأشكال فواحدة بسمعتي سوف تؤثر على
سمعة أبنتها، وأبي وأمي لا يريدونني إلى جوارها هي الأخرى فهي مضيفة طيران تسافر
كل الأوقات بلا رقيب وهذا ضرر كبير لسمعتي!.
لكنني لا أبالي "بسمعة أي منا!" أقصد
برأي أي من والدينا وأصعد لأميرة كلما أردت التحدث، ليس وكأننا أصدقاء لا .. لسنا
كذلك ولكن أنا فقط أحب التواجد إلى جوارها، هي حتى لم تزورني مطلقا، أنا من يلقي
بنفسه عليها، لا أظن أنها تتضايق من وجودي!، المهم السبب الوحيد الذي يجعل والدة
أميرة تسمح لي بالدخول .. صينية الطعام الموجودة بيدي، فكم من مرة حاولت الكذب علي
بأن أميرة نائمة، فأخذت الصينية وأعدت أدراجي لأنني أعلم بكذبها!.
"تفضلي خالتي أخبريني رأيك بهذه الوصفة، هل
استيقظت أميرة؟" تناولت الطبق مني وقالت دون أن تشيح بنظرها عنه "أجل
خرجت لتوها من الحمام" ابتسمت لها واتجهت إلى غرفة أميرة مباشرة، طرقت الباب
وبعد وهلة سمعت صوت ملكي مترفع يتمتم بكسل "أدخل".
دلفت ووضعت الصينية على طاولة الزينة التي تجلس
أمامها ومن ثم جلست خلفها مباشرة على السرير، خرجت بالفعل لتوها من الحمام ترتدي
رداء استحمام أبيض وتضع منشفه فوق رأسها، جلست واضعة قدم فوق الأخرى تدلكها بزيت ليرطب جلدها الناعم ليزداد نعومة ورونق!،
كان بريق النظافة يشع منها، أحنت رأسها برقة وأزاحت المنشفة من فوق رأسها وتساقطت
شلالات شعرها الأسود الحريري، وتركته ليجف ومن ثم بدأت بوضع مستحضر آخر علي وجهها
بقطارة
"يبدو غالي الثمن!!".
حتى طريقة وضعها للمستحضر "السيروم"
غير عادية بأصابعها الطويلة الرشيقة تدلك بطريقة ملكية من أسفل إلى أعلى بحركات
مدروسة سألتها مرة عن سر هذه الحركة فأجابتني بترفعها المعهود
"لا بد من وضع المستحضرات عكس الجاذبية كي
لا تصابي بالتجاعيد".
أميرة بالسادسة والثلاثون من عمرها أكبر مني
بأربع أعوام ولكن شكلها يوحي بأنها في أوائل العشرينات أما شكلي فيوحي بأنني في
أواخر الأربعينات!.
لم أستطع المقاومة أكثر وقفت وذهبت لها وتلمست
شعرها من الخلف، بالغ النعومة .. رائع الملمس يلمع كشعر حصان أسود أصيل.. لمعة غير
عادية.
"هل يمكنني تمشيط شعرك؟"
نظرت لي
لوهلة بالمرآة نظرة جامدة وبنفس الترفع ناولتني فرشاة شعرها الخشبية، سعدت كثيرا
لأنني استمتع بملمسه الناعم بين أصابعي، تمتمت رغم عني
"لو أن لي جمال شعرك لحلت نصف مشاكلي"
نظرت لي بالمرآة ولكن نظرتها كانت أرق قليلا هذه
المرة
"ليس بالضرورة"
تمتمت بنفس البؤس
"ربما أعجبت كامل الأوصاف"
نظرت لي
بخيبة أمل وهزت رأسها بيأس مني
"لن أتطرق حتى إلى هذا الموضوع"،
تذوقت
الطبق الذي أحضرته وظهرت علامات الرضي على وجهها وسعدت لذلك كثيرا.
فأنا لا أطهو للقناة خاصتي سوى الوجبات الصحية
ولا يوجد أحد يحب تناولها فأبي وأمي يجدونه طعام سخيف بلا أدنى ذوق.
"لقد أحضرت لكي الكتب".
وقفت أميرة وذهبت إلى حقيبتها الملقاة أرضا وكنت
أنا انتهيت من تمشيط شعرها الرائع، أخرجت الكتب لي، كتب خاصة بالطهي الصحي باللغة
الانجليزية كنت قد طلبتها منها منذ مدة، قلبت الكتب ونظرت إلى الأسعار وأخرجت
المال من جيبي لم يكن لدي مشاكل في التعامل بالعملة الأجنبية، فأنا أتقاضى راتبي
بالعملة الأجنبية "هل تكلفت أي مبالغ للشحن"
ردت ببساطة "عشرون دولار"
وضعت المال على الطاولة أمامها وعدت مرة أخرى
أقلب فيهم.
الحياة هكذا لدى أميرة منتهي العملية والبساطة
مما يجعلها مريحة جدا لي، فأميرة الوحيدة بهذا المبنى الغبي التي لم تحاول تزويجي،
لهذا هي الوحيدة التي أتحدث معها.
التفتت لي وتناولت الطعام ببطء
"هل
لكي أي صلة بالضوضاء التي حدثت بالشارع منذ مدة؟" هززت رأسي "الصبية
كانوا يقذفون مالك بالطوب مرة أخرى"
توقفت
عن تناول الطعام ونظرت لي بقوة
"جميلة هناك خط فاصل بين الشفقة والغباء
رجاء لا تتجاوزيه".
ود الطبيب لو يسألها عن عنوان بيتها كي يتقدم
إلى تلك الحورية التي توصفها له، لكنه تذكر بأن لدية خطيبة، فتنحنح وسأل برزانة
مصطنعه
"وماذا فعلت بهذا الخط مدام جميلة؟!"
نظرت إلى عينه مباشرة بحده الصقر "تجاوزته".
نهاية الفصل الأول