رواية ليس زوجي المعاق الجزء الثاني_ الفصل الخامس ج2 بقلم هالة الشاعر

 


رواية ليس زوجي المعاق الجزء الثاني

 الفصل الخامس

(مالك القلب)

(2)


"أنه طفل بجسد رجل!، لازال أطفال الحي يركضون خلفه بالطوب إلى الآن؟!، هل جن عقلك؟!".

سحبت نفس عميق واستدعيت بعض القوة

"إما هو أو لا أحد مهند".

نظر لي نظرة قاطعة

"إذا حكمتي على نفسك بالعزوبية الدائمة أختي".

الشراسة بصوته جعلتني أخرج عن طوري


ليس زوجي المعاق الجزء الثاني مالك القلب
ليس زوجي المعاق الجزء الثاني مالك القلب


"لقد دفعت ثمن قرارك لخمسه عشر عام مهند!، عام تلو الآخر مروا علي بمرارة العلقم، تجرعت بهم بؤس وحزن يكفي مائة شخص ويفيض، وبالنهاية سامحتك، لكن إن لم توافق على هذه الزيجة يا مهند لن أسامحك يوما، لا على ما فعلته بي قديما ولا على ضياع فرصتي الوحيدة بالسعادة".

حملت حقيبتي وأخرجت النظارة منها وبصوت متهدج عاتبته

"قديما سامحتك، أما اليوم لا يا مهند.. لا وألف لا، سوف أقتنص فرصتي الوحيدة ولن أدفن رأسي كالنعام مرة أخرى، ودعا .. أخي".

خرجت مبعثرة من عنده واصطدمت بالمساعدة التي تحمل القهوة وبعد عدة خطوات سمعت زمجرة مهند بها وهو يصفق الباب خلفها.

طلبت سيارة وانتظرت بالاستقبال بالأسفل ودموعي تنزل واحدة تلو الأخرى، حمدت الله أن هذه النظارة كبيرة وتبتلع وجهي بالكامل وحينما وصلني الإشعار الخاص بوصول السائق انطلقت مندفعة للخارج لأصطدم بأخر شخص أريد رؤيته في تلك اللحظة!.

"جميلة!".

تنحنحت كي أجلي صوتي من القهر الذي أخترقه وخرج صوتي همس مكبوت

"كامل .. مرحبا".

خلع نظارته الشمسية بتوتر ووقف أمامي بطولة الفارع وجسده الرياضي عريض المنكبين وكأنه خارج من مجلة للموضة ببذلته الفاخرة تلك!، تبا له ألف مرة!!.

"تبدين بخير حال .. هل كنت بزيارة لمهند؟".

كان صوته متردد بشدة .. بل مثقل بالذنب هززت رأسي له بنعم وأنا أنظر بأي مكان عدا له يأكلني الألم عندما أراه، وتلوت أحشائي على بعضها تعتصرني عصر!.

"جميلة".


التفت إلى صوت مهند العالي الذي أتى ينهب الأرض نهبا حتى أن سترته تطايرت خلفه من السرعة التي جاء بها.

أمسك بذراعي وزمجر بكامل

"وداعا".

بدا الحرج على كامل ومضي في طريقة وجرني مهند هو الآخر خلفه وصرف السيارة التي أتت لاصطحابي.

دفع بي إلى سيارته وركبت أنا على مضض غير راغبة بإثارة فضحية له أمام الشركة.

أنطلق بسرعة جنونية مصدرا صرير عالي أفزعني لكنه لم يجعلني أرضخ له أو أخاف للحظة، تلك هي فرصتي للخروج من هذا الجحيم ولن أتركها للحظة واحدة، لم أعد أحتملهم على أي حال.

من بين أسنانه تمتم بغيظ بالغ

"ما الذي تريدينه جميلة؟".

دون أي مواربة أجبته بإصرار

"الزواج بمالك".

أبيضت مفاصلة حول المقود بقوة وأزداد من السرعة التي يقود بها

وظل يضغط على شفتيه بغضب بالغ إلى أن توقف بمكان خالي من أي شيء وأصدر صوت عالي للفرملة خاصته، كان قلبي ينبض برعب داخل صدري لكنني لم أسمح له بإخافتي ولن أظهر له ضعفي مطلقا.

تحدث بصوت منهك وكأنه أتي بي هنا ركضا لا بسيارته الفارهة!

"لمَ تفعلين بي هذا؟!".

"هذه حياتي أنا مهند، أنا لن أضر أحد، دعني أتحمل نتيجة قراري وحدي أن لن أوذي أحد!".

ضحك ضحكه مريرة هازئة

"تريدين الزواج من نجار بعد مهندس بترول!!، لا لحظة ليس هذا فقط لم يكمل تعليمة الصناعي لأنه بليد العقل، ما هو موقفي أنا وإلينا بهذا النسب؟ والدك لن يوافق ولو بعد ألف عام!!".

صرخت بوجهه ولم أفعلها في حياتي كلها

"ليس بليد العقل".

تأوه بمكر بالغ

"هل يؤلمك هذا؟ حسنا هذا هو ما سوف تواجهينه كل يوم، عليك باستقبال الأمر بصدر رحب وإلا سوف تعادي الكرة الأرضية كلها جميلة".

ترقرقت الدموع بجفوني ولكنني قاومتها بقوة وتحدثت بقرف

"طبعا كان علي وضع هذا في الحسبان موقف جلالة الأميرة والملك من زيجتي، نسيت يجب أن أتنفس بطريقة تليق بجلالتكم، لقد سئمت هذا القرف كله!، لقد سئمتكم جميعا!!".

صرخ بوجهي وهو يضرب على المقود بقوة

"لهذا تريدين الانتقام منا جميعا، أنت لم تسامحيني يوما .. بالأصل جميلة لم تسامحيني يوما".

وضعت يدي على فمي أكتم صراخ عالي لو أطلقته لأصبت أذنيه بالصمم

وحاولت أخذ أنفاسي التي تسارعت بشدة.

فتحت باب السيارة واندفعت الهث أحاول التنفس وقد انحنيت بشدة أمسك بركبتي ظللت هكذا لفترة حتى استعدت أنفاسي أخيرا وما إن فعلت حتى عدت إلى السيارة وبصوت ميت

"أعدني إلى المنزل الآن".

سألني بصوت منهك

"هل استعدت أنفاسك؟".

"لا شأن لك بي".

تألم بشدة من إجابتي وعصر المقود بقبضتيه ومن ثم قاد السيارة إلى المنزل ولكن بسرعة ميتة مثله حالما دلفنا إلى الحي خاصتنا انتبهت

 بشدة إلى الطريق وقبل ورشة مالك بعدة بيوت أخبرته بأنني أرغب بالنزول، زمجر بي مرة أخرى بعد عم الصمت المكان طوال مدة القيادة؟.

"أنتِ حتما فقدتِ عقلك!".

صرخت بوجهه

"أنزلني الآن!".

ولم أنتظر صمته بل عبثت باب سيارته مما أضطره إلى الوقوف اضطراريا

نظرت له وتمتمت بكل الغضب الذي تكون عبر مرارتي كل هذه السنوات

"لن أسامحكم مطلقا مهند .. هل تسمعني مطلقا.. وسوف أدعوا الله بكل يوم وبكل ليلة بأن ينتقم منكم جميعا لظلمكم لي وبأول فرصة سوف أفر من هذا المنزل الظالم بلا عودة".

ونزلت بسرعة وصفقت الباب بوجهه بحدة

وسمعته يصرخ بقوة من داخل السيارة

"تبا لك يا جميلة!، تبا لك ألف مرة يا غبية".

ركضت تقريبا نحو ورشة مالك ودلفت سريعا وحمدت الله أن لا أحد معه، ترك ما بيده ونظر لي بدهشة، وعندما خلعت النظارة ورأى وجهي المتورم من البكاء توجه نحوي سريعا، نظرت حولي وبأخر زاوية بالورشة اتجهت لها أبكي وأشهق بشدة وقد نزلت أرضا وضممت ساقي إلى حضني أبكي بحرقة رهيبة .. أبكي بحرقة الألم الذي واجهته منذ أن تمت ولادتي أعاقب على أشياء لا دخل لي بها.

أنحنى مالك أمامي يحاول معرفة السوء الذي أصابني ولكنه لم يستطيع التخمين، بعد مدة رفعت رأسي له كي أرحم حيرته لأجد دمعة سقطت على وجهه تسقط لسقوط دموعي، لا أريد أي شيء في العالم سوى هذا، أريد رجل يشعر بي، أريد رجل يشعر بالأساس في زمن انعدمت فيه الرحمة!.

"لن يوافقوا .. علي الزواج .. يا .. مالك".


تحدثت بصعوبة بالغة من بين شهقاتي المريرة.

حاول مد يده لمسح دموعي بتردد إلا أنه تذكر بأن ذلك لا يجوز فأعادها مكانها مرة أخرى، الألم على وجهه كان كبير وتمتم بحرج بالغ متلعثم

"لا .. أحد.. يريد .. مصاهرتي.. أبدا، أرجوكِ .. لا .. تبكي.. أنا .. لا .. أستحق هذه .. الدموع .. لا يجب .. أن تبكي .. أبدا .. جميلة".

طريقته الحنونة ورغبته البالغة بأن أكون بخير شقت قلبي إلى نصفين، وجعلتني أصمم على الزواج منه أكثر من أي وقت مضي، وقفت وأنا أتسند بيدي إلى الخلف فقدمي كانت ترتعش بشدة، ووقف هو الآخر وهو يراقبني والحزن يغمره علي، أشار بيد مرتعشة بلا

"لا تحزني.. أرجوكِ.. لن أتسبب .. لكِ بحزن .. لن لن أتي لك .. أبدا.. فقط .. لا تحزني".

هززت رأسي رافضة أتوسله

"لا مالك، بل أنا في أمس الحاجة إليك فقط لا تيأس من رفضهم لك هل تعدني بذلك؟!".

هز رأسه بسرعة كبيرة موافق

"لن يكون الأمر سهل أبدا، لكننا سوف نقاومهم إلى أخر نفس أليس كذلك مالك؟ سوف تقف معي لآخر لحظة ولن تستسلم لرفضهم".

هز رأسه بسرعة وتلعثم بحزن بالغ

"فقط .. فقط .. لا تحزني .. سوف أفعل أي .. شيء .. كي لا تحزني".

نزلت كلماته كالملطف على قلبي الذي كان يشتعل نار بحرقة الأنانية التي علي مواجهتها من عائلتي كل يوم، ابتسمت له بتعب وهدأ تنفسي كثيرا.

"حسنا مالك شكرا لك، ودعا".

تركته وبخطوات منهكة مرتعشة سرت في طريقي وبمجرد خروجي من بابه الزجاجي ذهب إلى درج مكتبه وعبث سريعا بمحتوياته إلى أن أخرج هاتفة

"سمير ..أ أريدك .. اليوم .. رجاءا .. لا ت تتأخر علي .. أجل أمر .. ب بالغ الأهمية!".

***

دلفت إلى الشقة منهكة بشدة لأجد مهند يجلس ويضع رأسه بين يديه ويستند بكوعه إلى ركبتيه.

وحالما دلفت نظر لي الجميع وتوجهت أمي تنظر بقلق لي وتسألني بخوف عن حالة مهند

"ما به أخوك ما الذي حدث بالشركة لمَ كل منكم بهذا الشكل هل حدث شيء لعمل أخوك؟!".

خلعت النظارة عن وجهي ورميت بحجابي وحقيبتي على أقرب كرسي وبصوت ميت أجبتها

"لا الشركة بخير لا تقلقي على عمله أمي المشكلة تخصني أنا فلا داعي للقلق".

زمجر أبي

"ما الذي فعلته وجعل أخوك الكبير بهذا الشكل؟".

نظرت لمهند الذي حذرني بعيونه بأن أخبرهم، كان يأمل بأن أصرف نظر عن هذه الزيجة، لكنني لم أفعل.

"لقد تقدم مالك إلى خطبتي ومهند يرفض الزيجة، وأنا أصر عليها".

أغمض مهند عيونه بقوة يلعن غبائي وتسرعي وظل فم أبي وأمي مفتوح لبرهة إلى أن أشار أبي إلى الخارج بيد غير واثقة

"مالك .. مالك النجار ليس غيرة؟!".

من النظرة الميتة الغير مبالية على وجهي ضربت أمي على صدرها وتحدث أبي غير مصدق وقد أصابه الذهول،

"لقد كان زوجك مهندس بترول!!، وبعد هذا الكم الهائل من العرسان الذي تم رفضهم لأسباب تافهة مثلك!، توافقين على مالك؟!!!".

ثم صرخ غير مصدق بعد أن أستعاد وعيه من الصدمة

"مـــــــالك؟!!!".

أندفع نحوي يعنفني من ذراعاي بحدة

"هل فقدت الجزء الضئيل من عقلك الغبي؟!!، ألم تفكري بمركز أخوك أو أختك؟! ألم تفكري بمنظري أنا وأمك أمام العائلة؟!، ما الذي به على أي حال؟! لقد تقدم لك خيرة رجال البلد!، ما المميز بهذا الأبله؟

 ناقص العقل

فاقد الأهلية؟!!".

كان صراخه يزداد كل مرة وكل جملة عن سابقتها ولكن ذلك لم يزح رأي قيد أنمله أو يغير من نظرتي الميتة التي أنظر له بها، ظل يصرخ بي بكل قوته ويعنفني ولم تفلح محاولات مهند بنزعي من بين يديه.

بعد مدة من تعنيفه أجبت بصوت بارد

"يريدني لشخصي وليس مثل كل الأفاقين سابقيه".

أحمر وجهه ونضح منه الاحمرار والغل من صوته

"ولمَ سوف يريدك أي أحد لشخصك يا بليدة ؟!..".

 زمجر مهند بحدة

"أبي!!".

صرخ بقوة

"لاااا، دعها تعرف حجمها الحقيقي لقد أفسدتها بدلالك الغبي حتى صدقت أنها شيء ما أو من الممكن أن تجد نفسها بهذا العالم بعيدا عن امتيازاتك مهند".

، عصر ذراعاي بقوة وغل وهو يؤكد بالضغط على الحروف

"أنتِ لا شيء .. هل تفهمين ذلك؟ .. لا شيء فاشلة ومعتلة بالمجتمع جميلة ولن تفلحي بحياتك أبدا أبدا .. جينات الفشل وكريات الخنوع تجري بجسدك محل الدم".

جرت دموعي ومهما حاولت التماسك لم أفلح أبدا بعد كل هذه السموم التي ألقاها بوجهي.

"دعني إذا أخرج من حياتك المثالية".

"سوف أقتلك بيدي قبل أن تلوثي سمعتنا يا جميلة، سوف أفعلها دون ذرة ندم".

القهر تمكن من حنجرتي ولم أستطع إخفاءه

"لقد فعلتها من قبل يا أبي ألا تذكر؟ ثلاث مرات ولكن فشلت ربما حالفك الحظ بعد أربعة وثلاثون عام".

صفعه .. صفعه عنيفة رجت جسدي الضخم لكنها لم تنجح بإسقاطي أرضا فقدماي ثابتتان في الأرض، ولن يتم اقتلاعي بسهولة بعد اليوم.

تجاهلت وجوده أمامي ونظرت مباشرة بعيون مهند

"إن لم توافقوا سوف أسافر للعمل خارج مصر ولن أعود مرة أخرى".

  واتجهت إلى غرفتي وحينما وصلت إلى بابها نظرت لهم جميعا

"كل يوم وكل ساعة وكل لحظة سوف أدعوا الله بأن تذوقوا ما ذقته من مرارة بأيديكم لا لشيء إلا للحفاظ على مستواكم ومنظركم الاجتماعي الفارغ، حسبي الله فيكم .. حسبي الله".

وأغلقت بابي خلفي بهدوء ولم أفتحه لعدة أيام مرة أخرى.

***

ضربه قوية على المكتب أفاقتها من تلك الذكرى البائسة المريرة التي مرت بها منذ مدة وحينما التفتت إلى طبيبها اعتدلت بجسدها خائفة من نظرته الغريبة

تحدث وكلتا يديه على المكتب يضرب بهم بنفاذ صبر بالغ

"تحدثي يا امرأة هل تمت الزيجة؟ هل وافقوا؟ وما الذي فعله مالك؟!!".

ووقف على قدميه وتمتم بنفاذ صبر بالغ

"لمَ توقفت عن الكلااااااام".

لوحت له غير مصدقة

"هل أنت طبيب؟ لا حقا!! هل مررت يوما من أمام كلية الطب؟!، لقد صرعتني! يا رجل ما بك؟!".

ضم قبضتيه بغيظ بالغ وزمجر بصوت عالي

"تحكين الكثير من التفاصيل فقط أخبريني هل وافقوا علي الزيجة أم لا؟َ!!!!".

"هل تقصد بأنني ثرثارة؟!".

دون ذرة تفكير زمجر

"أجــــل!".

وضعت يدها على فمها تكتم غيظها بقوة ثم نظرت إلى ساعتها وقد هدأت تماما

"حسنا الوضع بالمنزل كان كارثة بعد هذا اليوم فإلينا هي الأخرى علمت و.. "

راقبت نظراته المتلهفة لإجابتها ثم ضربت جبينها ضربه واهية

"أوبس!.. لقد انتهى وقت الجلسة أراك الأسبوع القادم أيها الطبيب".

 ولوحت له تثير غيظه وخرجت من الغرفة بينما ضرب هو المكتب بيده

"تبا لك ألف مرة".

             

نهاية الفصل


 

الفصل السادس 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


إرسال تعليق

يسعدني معرفة رأيك بالفصل أو المقالة

أحدث أقدم

نموذج الاتصال