ليس زوجي المعاق الجزء الثاني
(مالك القلب)
الفصل الثاني
(2)
جاء يوم الخميس وفي الموعد الذي حدده آسر دون
الرجوع لأي من والدي أو أخي، حضر العريس ... .
التحذيرات من والدي كانت شديدة اللهجة وتنبيهات
أمي كانت عنيفة رغم أنها بالعادي لا تكون حادة الطباع معي مثل والدي، لكن إلينا
حذرتها كثيرا على ما يبدو لأن العريس يكون ابن خالة زوجها ولا تريد أي فضائح.
" أطلع أطلع وأنزل على مفيش".
بالتأكيد قد سمعت بهذا المثل الشعبي من قبل وهذا
المثل أنطبق علي بكل حذافيره.
أدعي بأنني أقوى، أدعي أنني سوف أبني حياة خاصة
بي وحدي دون مساعدة أحد، أدعي أنني استطيع العيش دون رفيق لدربي، لكن كل هذا الرفض
وكل هذا الادعاء لم يكن له أي مجال من الصحة.
أكاد أموت شوقا لهذه التجربة، وبكل مرة تقدم لي
أحد ما كنت أتمنى أن يكون مناسب لي أكثر من رغبة عائلتي فالوحدة تقتلني حرفيا... .
دلفت بصينية العصير، تأنقت حتى أنني اشتريت
ملابس جديدة تماما وزينت وجهي بخبرتي المحدودة في هذا المجال، ودلفت أوزع ابتسامتي
الهادئة الخجولة أنظر أرضا وكأنني أكثر النساء حياء على وجه الأرض وكأنني لم أرفع
رأسي بمواجه أحد يوما ما!.
سعادة والداي كانت كبيرة جدا فأنا ولدت بعائلة
تنافسية للغاية لكل من عائلة أبي وأمي، وكل من إلينا ومهند وضعا أبي وأمي بالصدارة
على كل من العائلتين فمنصب مهند لم يصل له أحد من قبل كما وأن نسبة لعائلة عريقة
رفع من رصيده، ولم يصل أحد للدكتوراه بهذا السن الصغير قبل إلينا وزوجها هو الأخر،
ما أفشل كفه والداي هو أنا .. لكن بزواجي من مهندس بترول عادا إلى الصدارة مجددا،
وبعد طلاقي كانت النظرة واضحة في عيون الجميع وهذا الطبيب المشهور سوف يعيدهم إلى
المقدمة مرة أخرى.
لم أترك الأمل يرتع بقلبي كثيرا فرجل بمواصفاته
الرائعة تلك لن يتقدم لواحدة مثلي إلا لشيئين:
_طمعا في مصاهرة أخي.
_أو لغرض خفي .. ليس لمدة طويلة وليس عن إلينا
أو حتى أبي وأمي .. بل خفي علي أنا فقط وهذا ما سوف أعرفه الآن.
شددت إلينا على التنظيف بطريقة خارقة على غير
العادة لكنني لم أفهم هذا التلميح!.
"حسنا دكتور نيازي نتركك مع جميلة كي
تتعارفوا قليلا، رجاء أعتبر المنزل منزلك".
وقف بكياسة يحي كل من والداي وجلس وهو يفك زر
بذلته الفاخرة مرة أخرى، يضع قدم فوق الأخرى وتأملني جيدا، لم يكن هناك ذرة أعجاب
واحده بعينه، طريقة عملية للزواج لسبب لم أعلمه بعد!.
"سوف أستقبلك يوم السبت بالمركز خاصتي
لإجراء عده فحوصات وتحاليل بالساعة الثانية ظهرا".
زاغت عيني بحيرة
"أمم لكن .. أنا لست مريضة!".
نظر لي من أعلى لأسفل
"ليس بالضرورة أن تكوني مريضة لإجراء
الفحوصات والتحاليل، يجب أن يكون شيء منظم ودوري بحياتك".
أول ما خطر بعقلي البالي الساذج هو أنه مهذب
وهذه حجه كي أذهب لمركزة الطبي ليس إلا!.
"حسنا لا مانع لدي، لكن لا ضرورة حقا لذلك
فأنا أمارس الرياضة وأتناول الطعام الصحي منذ أربعة سنوات بانتظام، ولا أعاني من
أي أمراض مزمنة".
وابتسمت
أكثر
"ولا أشعر بأي تعب أو إرهاق".
اتسعت عيناه لوهلة لكن لم أهتم،
هذا الجسد مع الطعام الصحي والرياضة؟!.
لم يخفي هذا
"أشك في ذلك فعذرا وزنك زائد قليلا، أعتقد
بالمتابعة مع طبيب مختص سوف تصلين إلى الوزن المثالي".
ابتلعت المهانة الموجه لجسدي وأنوثتي، أنا
بالفعل أتبع نظام منذ أربعة سنوات ويفصلني عن الوزن المثالي سبعة عشر كيلو جرام
فشل جسدي رغم كل المحاولات بالتخلي عنهم وتعلمت أنا التعايش معهم .. جسدي ليس
منفر، لكنه ليس كجسد عارضات الأزياء .. أقصد النساء من حولي!.
نظرت أرضا بخيبة أمل ترى لمَ يريد هذه الزيجة؟،
لقد أقسمت ألا أتزوج مرة أخرى إلا من أحد يريدني
.. يريدني أنا لشخصي لا لمصاهرة أخي.
"كم عمر أطفالك أستاذ نيازي؟".
صحح
بقوة
"دكتور نيازي".
ابتسمت بخيبة أمل واضحة وأشرت علينا معا
"آسفة اعتقدت أن اللقب غير ضروري في حالة
تقاربنا".
فرك أصابع يده وانتبهت إلى كفيه كم هما ناعمان
ولامعان بشدة، أنهما أجمل من كفاي!!.
"بلى أشدد على استخدام اللقب لقد استحققته
بعد عناء كما وأن هذا يرسخ الفكرة عند الأولاد كي يتمسكوا بأهدافهم
للمستقبل".
أشحت بنظري عن يده اللامعة!، وانتبهت إلى أن
بشرة وجهه ومقدمة رأسه التي بدأ الصلع يزحف لها هي الأخرى لامعة بشدة.
"هل والدك كان طبيب أيضا؟".
"أجل والدي ووالدتي وكل من أعمامي وزوجاتهم
وكذلك جدي وجدتي هي الأخرى كانت ابنة طبيب مشهور جدا في عهد الملك ف..."
دلفت ذبابة وحطت على يده وقطعت وصله الفخر
بعائلة، نفضها سريعا بتقزز مبالغ فيه وكأنه فأر خرج من البالوعة للتو!.
وقف وتأفف سريعا وهو يخرج المعقم من جيب سترته
وسكبه بسخاء على كفيه وظل ينظر بعينه في كل مكان يبحث عنها وهو عصبي للغاية، عدل
نظارته وهو يتلفت حوله بكثرة وأنا أشاهدة بعجب.
"أنها مجرد ذبابة!".
نظر لي والشر يقدح من عينه
"مجرد ذبابة! مجرد ذبابة!! هل لديك أي فكرة
عما يمكن أن تكون ال مجرد ذبابة واقفة
عليه قبل المجيء إلى هنا محمله بكافة أنواع الفيروسات والجراثيم!!، يبدو أن حس
النظافة لديك ليس عالي مثلما أخبرني آسر".
جلس بغضب وأخرج رزاز الكحول ورشه بغزارة على
بذلته وعلى وجهه لأن الذبابة لا مست رأسه أثناء طيرانها، وأخرج مناديل معقمه ومسح
كافة وجهه بها.
سألته بعدم اهتمام
"هل يمكنني معرفة سبب انفصالك عن زوجتك
دكتور؟".
حاول كبت غضبة وهو لا يزال يفرك بالمناديل
المطهرة يده
"ألا ترين أن هذا السؤال شخصي للغاية مدام
جميلة؟".
هذه الرسمية لم تعجبني بالمرة
"أعلم لكن يجب على كل منا معرفة ما حدث مع
الآخر لابد وأن آسر أخبرك أنني طلقت بعد تسع سنوات لأنني لا أنجب".
لم يكن هذا هو السبب، الكل يعلم ذلك لكن الكل
يدعي أن هذا هو السبب وأنا منهم.
تنحنح وقد بدأ هدوءه يعود له
"أعلم مدام جميلة وصدقا هذا لا يهم بالمرة
فأنا أرى وضعك مناسب جدا لي هذا سوف يعطيك الوقت الكافي لي وللأولاد، ويشبع رغبتك
بالأمومة".
سعلت بقوة عمدا لا لشيء إلا لأنني أردت أن أجلي
صوتي، وقد رجع بسرعة إلى الخلف زم شفتيه وهو يناولني محرمة من سترته
"ربما عليك الحذر المرة القادمة واستخدام
محرمة".
أخذتها منه شاكرة ببرود ونسيت لقبه عمدا
"أستاذ نيازي لقد عرضت علي الذهاب للفحص
العام رغم أنني سليمة تماما، لكنك لم تعرض علي الكشف عن حالتي وصحتي الإنجابية؟
لابد وأن آسر أخبرك بأنني لست عقيمة والمشكلة التي أعاني منها شائعة جدا أليس
كذلك؟!".
لم يعجبه الكلام أبدا، بدا هذا واضح علية وضوح
الشمس في كبد السماء!.
ابتسمت له
"إذا حدثني عن الصغار قليلا وعن سبب
انفصالك".
وضع قدم
فوق الأخرى وشبك يده
"أنا ودكتورة جودي لم نتفق في طريقة تربية
الأطفال هذا كل شيء".
ارتفع حاجبي وانفلت لساني السليط
"فبدلا من تربية الصغار انفصلتم
عنهم!".
لوح بإصبعه بغضب
"أنا لم ولن أنفصل عن صغاري مطلقا مدام
جميلة، لن أخفي عليكِ لقد رأيتك بالنادي مع أولاد آسر وسألته عنك ورأيت كم تعاملين
الصغار بحب، وبناء على ذلك أرى أنه ومع بعض التعديلات سوف تصبحين أم جيدة لكل من
لوجي ويامن".
سألت بغباء ممزوج بحدة
"هل سوف تأخذ الأولاد من والدتهم؟!".
تنحنح
"حسنا الأولاد معها الآن لكن أنا واثق من
أنني سوف أربح القضية واستردهم في القريب بإذن الله".
شهقت واضعة يدي علي صدري
"تريد أخذ الأولاد من حضن والدتهم بالقوة؟
سوف يكرهونك!! الأطفال مكانهم بحضن والدتهم".
تحدث بعند وإصرار غير عادي
"الأطفال مكانهم مع من يقدر قيمتهم ويعلمهم
استخدام مواهبهم للوصول إلى أعلى درجات بالمجتمع، إذا ما كانت الأم غير قادرة على
أتباع هذه الرؤية التي تمكنهم من الوصول إلى أعلى المراتب العلمية فهي غير جديرة
بحضانتهم".
كان عنيد للغاية وأنا لم أكن يوما متحدثة جيدة
فلا اختلاط لي بالناس فغيرت مجرى الحديث تماما
"هل لديك صورة لهم؟".
أخرج
هاتفة وأعطاني إياه بحذر وشاهدت صور صغاره رائعين، بدو أكثر سعادة مع والدتهم
الملاك الرقيق الرشيق ذو الشعر الحريري، وأثناء مشاهدتي لصورهم كان يملي علي سيل
من التعليمات والإرشادات للصغار كلها تتمحور حول شيئين لا ثالث لهم
_مقياس النظافة الخارقة.
_ ويجب على صغاره الحصول على جائزة نوبل قبل
الثالثة عشر!.
لم يكن يهتم لشيء آخر فقط تعليمات للنظافة لا
نهاية لها ومبالغ بها كثيرا وكم من الكتب والأشياء التي لا يستوعبها عقلي الصغير
عن كيفيه جعلهم علماء.
علي استخدام الحيلة مع هذا الرجل كي أتخلص منه
ورغم أنني قليلة الحيلة إلا أن الوسواس القهري الخاص به جعل الأمر بغاية السهولة
والبساطة لي.
خرجت من شرودي وانتبهت له مرة أخرى
"من الجيد أنك دراستك الانجليزية فهذا سوف
يسهل عليكِ كثيرا المذاكرة مع لوجي ويامن فهم بالمدرسة البريطانية...".
قاطعته مدعية الحماسة وأنا أضم قبضة يدي وأتحدث
من بين أسناني بحماسة مبالغ فيها "يا الله كم أتمنى مقابلتهم" ابتسم
بشدة
"سوف التهم تلك الوجنة المكتنزة
التهام".
انمحت
البسمة عنه!.
"واقضم أذرعهم الصغيرة الشهية ".
ازدرد
لعابة بصعوبة ونزلت قدمه التي كان يضعها فوق الأخرى أرضا وتمتم وهو يحاول الابتسام
"تعبيراتك المجازية غريبة بعض الشيء!".
لوحت
بمبالغة
"لا لا أبدا فأنا أعشق عض الصغار".
وأصدرت
صوت بأسناني عالي أعض عليهم بقوة.
انمحت البسمة من على وجهه تماما وسأل وهو باهت
الوجه
"تحبين عض الصغار؟!".
لوحت بمبالغة
"بالطبع!، طوال الوقت هذه لعبتي المفضلة
معهم، لكن لا تقلق أبدا تذهب الآثار بعد عدة أيام".
ولوحت
بيدي بغير اهتمام.
اتسعت حدقتيه بشدة، شربت من العصير بحماسة فسقطت
بضع قطرات على طرحتي وبدل من التأفف أو الاعتذار وجدتها فرصة رائعة، تجاهلت
القطرات المتساقطة وسكبت أكثر!.
نظر لي بهلع وكأن هناك حريق نشب بملابسي وأنا لا
أسعى لإطفائه.
نفضت العصير بلا مبالاة واتسخت يدي وبنفس اليد
المتسخة أمسكت بكأسه ومدتها نحوه بتهور
"لمَ لا تشرب؟".
تقزز
بشدة ورفض الكوب بهلع
" الأفضل. الأفضل أن تذهبي إلي تبديل
ملابسك وغسل يدك".
"لا أرى هناك أي داعي لذلك، حسنا متى سوف
أتعرف على الصغار؟".
أشار لي
بهلع "عليك بالاستحمام على الفور!".
صفقت
يدي مدعية الحماسة وقد نالته بعض ذرات العصير من جراء التصفيق
"متى سوف أرى الصغار لا أطيق صبرا حتى
أراهم والعب معهم بالكاكاو السائل يا الله سوف نمرح كثيرا معا".
"أنهم لا يتناولون الحلوى أنها غير صحية،
رجاء أذهبي لغسل يدك هذا سوف يجلب الذباب".
ونظر
إلى الشرفة المفتوحة عن آخرها.
لوحت بإهمال
"لا داعي حقا لذلك فأنا استحم كل خميس
مساءا، بضع ساعات وأخذ الحمام خاصتي".
جحظت
عيناه
"تستحمين مرة واحده بالأسبوع!!!".
جعدت أنفي
"أجل فأنا لا أحب المياه حقا".
وقف صارخا "لا لا لا لاااااااااا"
"!!!!"
نهاية الفصل الثاني.