رواية ليس زوجي المعاق الجزء الثاني
(مالك القلب)
الفصل الرابع
دلفت إلى المكتب بكل ثقة، رغم أنها غادرته الجلسة
الماضية محطمة ومنهارة، وضعت أمام طبيبها علبة بلاستيكية صالحة للاستخدام مرة
واحدة، ومن ثم أشارت له بفخر وعلياء غير طبيعية وكأنها سيدة أعمال محنكة.
ليس زوجي المعاق الجزء الثاني (مالك القلب) |
"تذوق".
نطقتها بكبر وحاجب مرفوع بتحدي لم يعلم له سبب، لا يحب
هذا، لا يحب هذا مطلقا!.
يجب أن تظل العلاقة بينه وبين مرضاه في إطار العلاج ولا
ينبغي أن تتشابك الأمور الشخصية بالعلاج.
انتفخت فتحتي أنفه رغما عنه متلذذ بالرائحة المنبعثة من
العلبة والتي أثارت الجوع به رغم أنه لم يكن جائع قبل أن تدلف تلك المريضة غريبة الأطوار.
تنحنح
"شكرا سيدة جميلة أفضل أن نبدأ جلستنا لقد قطعتي الجلسة
السابقة..."
أوقفته بكبر وهي تشير إلى العلبة وتقول بنبرة أمره
"تذوق
أولا".
توترت يده وهو يشير
"سيدة جميلة، هناك ميثاق خاص بنا نحن الأطباء يجب
أن لا نخلط بين..."
قاطعته مرة أخرى بتحدي بالغ
"لن أبدأ الجلسة إلا بعد أن تتذوق".
وغاصت للخلف بكرسيها الوثير وهي تربع يديها وقد بدا على
وجهها أن هذا الأمر منتهي!.
ارتفع حاجبه ليس هو من يخسر أمام مريضته سوف يقوم بفرض
سيطرته على الفور ويعلن قيادته لتلك الجلسة، سوف يريها القوة الحقيقية لل... تبا
لهذا الهراء!.
هجم على العلبة، تلك الرائحة الذكية دلفت إلى "خياشيمه"
وداعبتها بأكثر الطرق إثارة فتكا ووحشية!، ومن يستطيع أن يقاوم محشو ورق العنب على
أي حال؟ لم يخلق هذا الشقي بعد!، من عساه أن يفعل حتى؟،
لمَ المقاومة؟!
لمَ العناد؟َ!
فقط من أجل الهراء الخاص بالطبيب والميثاق الخاص؟
أم من أجل فرض سيطرته!!.
حسنا لقد فازت جميلة وبجدارة من حقها أن تدير الجلسة،
ليس لجلسات قادمة بل لسنوات لو أرادت، يا الله لم يتذوق شيء بهذا الجمال من قبل
قط، أنها موهبة خارقة تكاد أن تطير بعقلة!.
لم يعد يستطيع أن يتحكم بأعصابه ورغما عنه أصدر تلك
التأوهات التي تدل على لذة خالصة حتى والدته لم تجيد صنعه بتلك الروعة من قبل!،
ضرب المكتب بيده عدة مرات ثم صاح من الروعة وهو يلوك الطعام
"يـــــــا
الله!".
ارتفع حاجبها بانتصار ساحق وعادت للخلف بثقة بالغة
تستمتع برؤيته منهار أمام ما أعدته من أجلة سوف تعقد صفقتها حتما اليوم!.
نظر إلى نظرتها المنتصرة وصاح بصوت متضخم من فمه الممتلئ
بالطعام
"حقك .. والله العظيم حقك!".
عبثت بحقيبتها تخرج الهاتف ومن ثم نظرت له بثقة مطلقة
"أعلم، والآن سوف أعقد صفقة معك".
تمتم بسرعة والطعام يملئ فمه
"موافق!".
أشارت نحو الأصبع الذي يقذف به إلى داخل فمه
"ذلك المحشو خاص بالطعام الصحي مصنوع من الأرز
البني ومخلوط بالكوسا واللحم المفروم ومكونات أخرى صحية ولا تزيد الوزن
بجنون".
ونظرت بعينها بكبر إلى بطنه التي أوشكت على أن تتدلى منه
فشفطها إلى الداخل بسرعة فتمتمت بلا مبالاة.
"أجل تحتاج الطعام الصحي كي تحجم هذا الكرش قبل أن
تفقد السيطرة".
أحمر غضبا وترك الطعام من يده وأشار لها بغضب بإصبعه
المتسخ
"أن لن أفقد السيطرة!، الأمر فقط أنني مشغول كثيرا
بالعمل ولا وقت لدي للرياضة أو للإعداد الطعام فأتناول الكثير من الوجبات
الجاهزة".
وصاح بنبرة أعلى وهو يؤكد بإصبعه المتسخ
"أنا لا أفقد السيطرة!".
وعاد إلى كرسيه يلهث من الغضب
زاغت عينها على جنب تتحدث مع نفسها بصوت عال لا مبال
"أجل أجل كلهم يقولون ذلك".
أحمر غاضبا منها ولازال يتوعدها بنظراته حتى تحدثت بغير اهتمام
"تسيطر أم لا! هذا شأنك الخاص، ما يهمني هو عقد
صفقتي سوف أحضر لك الوجبات الصحية وتخفض لنا سعر الجلسات".
تجعد جبينه يخفض ماذا؟!، أنه بالكاد وجد مرضي بهذا
المكان النائي!، كما وأن لديه الكثير من مصاريف الزواج، فخطيبته وأمها لن يصبروا
عليه يوما واحد زيادة عن الموعد المحدد!.
تمتمت بصوت بارد وهي تمد يدها كي تأخذ العلبة
"فقط لا تبكي عندما تفر خطيبتك من بطنك المتدلي
..".
قاطعها هاجما على العلبة وتمتم من بين أسنانه
"مستغلة.. سوف أخصم ثمن الوجبات من الجلسات لا لشيء
إلا لأنني أريد أن أتمم العلاج".
ولوح بتهديد بإصبعه المتسخ مرة أخرى
"وليس لأن بطني تتدلي، لأنه ليس لدي كرش!".
وصرخ بالمقطع الثاني من جملته، بينما جميلة التي عقدت
صفقتها عادت للخلف مغمضة عيونها تريد بدء الجلسة والاستفادة من كل دقيقة تخصها،
والتهم هو إصبع أخير من المحشو بغضب ومن ثم لعق إصبعه وأخفى العلبة عن مجال رؤيتها
ومن ثم مسح يده جيدا بالمحارم وفتح دفتره.
من بين أسنانه
"حدثيني عن تلك الومضات مرة أخرى مدام جميلة".
يا الهي هل
عليها العودة إلى هناك مرة أخرى؟
أغمضت عيونها وغاصت بداخل ذاكرتها واستجاب قلبها هو
الآخر وغاص بداخل صدرها.
***
وجهه كان مرهق أكثر من كل مرة فتأوهت بلوعة عليه
"أه مهند ما الذي يحدث لك؟".
خلع حذائه بصعوبة بالغة فقدمه تقرحت لكثرة عمله في هذا
الموقع الغبي، يضم قبضته بقوة من الألم
"ضعها بالماء يا مهند وضع به القليل من الملح لا
تعاند نفسك!".
ضغط على شفتيه وتحامل على نفسه وفعل ما أخبرته به كي
يهدأ من نار لوعتي عليه، وعله يرتاح هو الآخر لم يعد يقوى حقا على كل هذا.
جلس إلى السرير بتعب بالغ ووضع قدميه بالمياه ونثر الملح
كي أكف عن إلحاحي.
توسلت عبر الشاشة
"تحدث معي".
تذمر بنزق
"كفي عن بؤسك هذا وقلقك جميلة، لا ينقصني حقا أحمل
الكثير بالفعل".
مسحت عيوني بشدة كي لا أبكي ولان قلبه علي وسأل بإحباط.
"هل يعلم أي من أمي أو أبي بوضعي السيئ؟!".
هززت رأسي نافية بسرعة
"لا أقسم لم أتفوه بشيء مثلما أخبرتني تماما".
هز رأسه مستحسن فعلتي وتحدث بإحباط بالغ، هو الذي حارب
طوال حياته كي ينل تلك الوظيفة وتجاهل كونه الأول على دفعته وتجاهل وظيفة الجامعة
كي يمارس المهنة التي حلم بها منذ نعومة أظافرة، يعامل بتلك الطريقة؟ هو أكيد أنها
عن عمد ومن توصيات عليا، هل لهذه الدرجة والدها يكرهه؟ والاهم هل تشعر كاريمان بكل
تلك التضحيات التي يقدمها كي يكون معها؟!.
فرك وجه بقوة وتمتم بيأس
"لا جدوى من كل ذلك، لن تستطيع العيش معي على كل
حال، لن تستطيع ترك تلك الطبقة المخملية والنزول إلى الأرض التي نسير نحن
عليها".
مع والد موظف ووالدة ربة منزل كان دخلنا محدود للغاية
تعلمنا نحن الثلاثة العيش بالتدبير في كل شيء وشتان ما بين عالمنا البسيط وعالم
الفتاة الوحيدة التي بعثرت قلبه.
علمت بفطرتي البسيطة وقتها أنه يتألم بشدة، فقررت أن
أمده بالطاقة
"إذا كنت تستطيع العيش بدونها، عد إذا لا فائدة من
غربتك تلك، عد وبشهادتك يمكنك العمل بأي شركة تريد".
تمتم بأسى بالغ
"العيش
بدونها!".
"لا حل آخر لديك مهند".
ارتسم على وجه ألم بالغ، لا يستطيع فعل ذلك لقد احتلت
كيانه بشدة، هو الذي كان عبارة عن كبرياء تسير على الأرض تنازل عن أهم مبادئه وأحب
واحدة من طبقتها المخملية حاول نزعها من تفكيره بكل الطرق بل والتعامل معها بحدة
كي تبتعد عنه ولكنه لمح رغبتها بقربه هي الأخرى فتفجرت المشاعر بقلبه بغير شفقة
وتقتات علية منذ تلك اللحظة، إلى الآن.
"هل تحدثها مهند؟".
سألته لأنني لم أره بهذا اليأس من قبل!.
هز رأسه بلا
شهقت بحدة كي يفيق من تلك الكبوة
"لمَ لا تحدثها؟ أنت الرجل عليك بأخذ زمام
المبادرة".
نظر لي بشك عبر الشاشة
فأكدت على موقفي
"بالطبع عليك محادثتها وعليها أن ترى مقدار ما تعانيه
من صعاب كي تصل لها وتجهز لها حياة كريمة تليق بها هكذا سوف تتعلق بك وتتمسك بك
أكثر وتعلم مقدار حبك لها، هيا لا تجلس هكذا أمامي كالصنم!".
زمجرت بجملتي الأخيرة، فأغلق الشاشة بوجهي!.
ظللت أذرع الغرفة بتوتر بالغ ف إلينا استولت على غرفة
مهند لأنها الأكبر والحاسوب بالغرفة وإذا ما عادت الآن سوف تخرجني منها ولن أعلم
ما الذي يحدث معه؟!.
ربع ساعة وأتصل مهند كان شخص آخر غير الذي حادثته منذ
ربع ساعة فقط!، هل صحيح أن الحب يفعل المعجزات؟ ويعلو بنا إلى السماء بهذا الشكل!،
صوته.. ملامح وجهه.. الحماسة التي دبت في أوصاله، غير طبيعية بالمرة وكأنه إنسان
آخر تماما لقد عاد إلي مهند .. أخي الذي أعرفه حق المعرفة.
"لن تصدقي .. لقد كانت غاضبة تظن أنني نسيتها، لقد
أهملتها كثيرا في زمرة غضبي مما يفعله والدها معي وخمني ماذا؟، دون أن أخبرها بأي
مما أمر به، قالت أن والدها سوف يحاول الضغط علي بشتى الطرق وأن هذا أسلوبه، وخمني
ماذا أيضا؟ سوف تأتي إلي الإمارات بعد أسبوع لأنها اشتاقت لي كثيرا وسوف تمضي معي
شهر، شهر كامل".
وعاد برأسه إلى الوراء غير مصدق من فرط سعادته يصرخ من
الحماسة، بينما أنا انهمرت الدموع من عيني بشدة لأنني كنت شاهدة على قصة الحب العظيمة
تلك، زمجرت به حتى أنتفض من مكانه.
"أسبوع واحد فقط لا وقت لدينا!".
سأل بغرابة
"ماذا
هناك؟".
صرخت به
"الم ترى وجهك وكيف أصبح شكلك هزيل، ضع الزبادي على
وجهك كل يوم هل تفهم هذا؟ ولا تنزل دون واقي شمسي وتلك الملابس الغبية التي تلبسها
أين هي أناقتك المعهودة؟، أحرقها وأنثر ترابها في صحراء الإمارات، غدا تترك تلك
البلدة المهجورة وتذهب لإمارة أبو ظبي وتبتاع لك ملابس جميلة كالتي أعتدت أن ترتاديها،
وأين شعرك الحريري الطويل؟!!".
تمتم من بين أسنانه بغيظ
"حلاق هندي غبي".
وهز رأسه يقلد أسفه
"سوري صديق.. هذا. قصه. سمسم.. أنا".
صرخت به بحدة
"لا تهمني تلك المشاكل حلها كلها ولا تجلس أمامي
هكذا دون أن تفعل شيء!!".
فأغلق الشاشة بوجهي!.
***
مرت السنوات وكبرت وأنا محاطة بأشخاص رائعين، كل منهم
يحظى بالحياة التي لطالما تمناها، وقصة حب لا تقل في روعتها عن حب روميو لجوليت أو
قيس ل ليلى.
وترسخ بداخل أذهاني للأسف
أن تلك هي الحياة،
نجاح دراسي
ونجاح وظيفي
وقصة حب أسطورية يحكي عنها الجميع لأجيال!.
كنت ساذجة
وبلهاء للدرجة الكافية التي مكنتني من الاعتقاد بأنني سوف أحصل على ما حصل علية
الجميع، معاملة مهند الجيدة لي كانت تشعرني بأنني سوف أكون مثلهم يوما ما، لكن لم
يحدث هذا لي مطلقا.. ليس وأنا معهم على أي حال.
غضب أبي كان بالغ فبعد كل تلك الدروس الخصوصية لم أتمكن
سوى من الدخول إلى كلية التربية قسم اللغة الانجليزية وهو الذي خطط لدخولي إلى
"اقتصاد وعلوم سياسية" كي أعوض كل الفشل الدراسي الذي مررت به السنوات
الماضية، حبا بالله ما الذي سوف يجعلني أدلف إلى تلك الكلية على أي حال وأنا لا أطيق
الاستماع إلى نشرة إخبارية لمدة ثلاث ثوان!.
دلفت إلى الجامعة مفعمة بالأمل، هنا سوف أجد نصفي الثاني
وأعيش معه قصة الحب الأسطورية التي سوف تخلد عبر جدران الجامعة حافرين القلوب
واسمينا على الأشجار مثلما شوه السابقون الأشجار المسكينة بسكاكينهم القاسية!، لكن
حقا وقتها لم أكن أبالي للبيئة أو الأشجار بل اخترت أكبر وأجمل شجرة بالجامعة كلها
ونظرت لها نظرة تملك.
"هنا سوف أرسم القلب وأكتب جميلة وفلان".
كانت الخطة محكمة، وعيوني على الهدف واضحة غير مذبذبة،
أمر من أمامها كل يوم وأخبرها بعيوني "أجل أنتي المنشودة، سوف أحفر بكِ عميقا
بحيث إذا دلف أبنائي إلى تلك الجامعة سوف أصطحبهم إليك واريهم أسمي أنا ووالدهم، فخورين
بذلك الحب الذي أشتعل التهابا في أولى خطوات عمرنا والذي أنتج عنه هذين الشخصين
الرائعين" أجل كنت أحلم بولد وفتاة.
ولكن يا سيدي العزيز في غمرة اختياري للشجرة المذكورة
نسيت شيء هام للغاية نسيت أن أبحث عن "ال فلان" الذي سوف يكتب أسمة إلى
جوار أسمي كي نخلد تلك القصة العظيمة التي لم تحدث إلا في خيالي فقط!.
ولم أفق إلى غبائي الكبير إلا في السنة الثالثة بعد أن
ارتبط كل من أعرفهم تقريبا حتى أن عم عبده الرجل الذي يدعنا نمر دون البطاقة
الشخصية، أرتبط بأم سماح العاملة بمبنى الإدارة وكل الجامعة باركت قصة الحب التي تعدت
الخمسين تلك!، وظللت أنا والشجرة التي اذهب من أمامها كل يوم حتى تجرأت وأصبحت
التهم شطائري كل يوم تحتها، عل وعسى يأتي "ال فلان" ونحفر اسمينا ..
لكنه لم يأت قط.
***
دلفت بإرهاق أخلع عني حجابي وثيابي وأمي دلفت ورائي
مباشرة وأغلقت الباب ثم جلست على السرير
"ها أخبريني بما حدث معك اليوم؟" .
تمتمت بحزن
"لم يحدث ما تنتظرينه يا أمي، لا لم يحاول أحد
التعرف علي، الحقيقة أنه لم يحاول كلب حتى النباح جواري وكأنني ارتدي قبعة الإخفاء".
نظرت أمي بشك إلى جسدي الضخم وتمتمت بسخط
"وهل يمكن ألا يراكِ أحد جميلة؟!".
زمجرت أنا الأخرى وأنا أشير إلى ضخامة جسدي
"هل تتخيلين حتى ذلك؟ لم يصطدم بي أحد حتى!".
وضربت وركاي بحسرة، هزت أمي رأسها بآسي ثم تذكرت شيء
"بلي، تذكرين ذلك الشاب الضخم".
ضربت وركاي مرة أخرى
"أجل صحيح تايسون الملقب بفيل الجامعة أصطدم بي
وأسقط الدفاتر خاصتي فانتظرت أن ينظر إلى عيني ويسرح بهما مثلما يحدث بالأفلام
والروايات إلا أن الغبي زمجر بي وصاح ما الذي تشربونه على الصبح!".
تنهدت بحسرة
"فقط لو ترين الفتاة التي يسير معها كل يوم إلى
المحاضرات أرفع من العصفور، كيف وجدها حتى لا أعلم، فهي تبدو كطفلة تائهة من صف
الإعدادية، ما هذا الحظ يا أمي؟ ما هذا الحظ؟!".
ضربت وركاي بحسرة كبيرة فربتت علي أمي
"ما الذي حدث للشباب هذه الأيام؟ لقد كانت أمي
تتشاجر معي كل يوم كي أتناول المزيد من الطعام لأنني كنت على حد قولها كعود القصب
الممصوص ولن ينظر لي الرجال وأنا بهذا الرفع!، بأيامنا من كانت بحجمك كانت تخطف
على وجه السرعة فجسدك يدل على كثرة المال والدلال والصحة الجيدة كما وأن الرجال
كانوا يحبون الفتاة الممتلئة!، ما الذي حدث في هذا الكون؟!".
وضعت رأسي على قدمها وربتت هي على شعري المجعد
"لا تقلقي
سوف يأتي نصيبك بوقته، تلك الجامعة غبية ونحن لا نريد منها شباب تافهين، بل رجل
يقدر قيمة ما لديه".
ارتفع رأسي سريعا
"حقا أمي!، لكن ماذا عن الشجرة؟".
تعجبت باستفهام
"أي شجرة؟!".
تنهدت بإحباط
"لا بأس لا تبالي".
***
استمع مهند إلى توسلات أمي التي كانت تخشى علي بشدة
بينما كل من هم أصغر مني ارتبطوا بشكل أو بأخر وأنا لا أحد أهتم لي يوما، ووقتها
أهداني مهند الزنبقة السوداء.. كامل.
***
تركت مالك المسكين الذي سقط أرضا لفرط توتره وعدت أدراجي
إلى المنزل اشعر وكأنني حرفيا أسير على السحب، لم تكن الأرض صلبة من تحتي، لم يكن
هناك شيء ثابت بمكانه بعد عرض الزواج الرائع الذي تلقيته من مالك وجعلني أسعد امرأة
على وجه الأرض.
دلفت بحذر مباشرة إلى باب غرفتي وخبأت الصندوق بحرص أسفل
السرير، فسبب ذهابي لمالك هو أن العائلة المصونة كلها تجتمع اليوم وضغط علي آسر
كثيرا، لأنني على حسب قوله أهنته بشدة أمام ابن خالته الغالي!، فتربص بي في ردهة
المنزل يتمتم بشر
"تستحمين مرة واحدة بالأسبوع جميلة!".
يبدوا أن أبن خالته أصيب بحالة من الهستيريا وظل يتمتم
بهذا لمدة!.
كورت لساني بملل داخل فمي لا لشيء إلا لإغاظته
"ما الذي تريده آسر؟".
أنحني علي بقامته الفارعة وتحدث من بين أسنانه
"هل لديكِ أي فكرة عن وضعي بالعائلة بعد فعلتك
الشنعاء، عليك بإصلاح كل شيء جميلة وإلا أقسم أن أقلب المنزل كله عليك وأحيل حياتك
إلى جحيم".
لقد كان يومي عظيم حقا، لي ثلاثة أيام أعمل بتحضير تلك
الوليمة، وتحملت الكثير من السخافات الخاصة بوالدي وعدم رضائه عن أي شيء، وزوجته
المصون تقيم حفل ضخم وتريدني أن اذهب للطبخ من أجلها.
وأنا من يذهب
بأولادها إلى التمرين لأن لا وقت لديها وللذهاب إلى ذلك التمرين أصرف الكثير من
المال والوقت لأن أولادها لن يركبوا بسيارة أجرة عادية وهي تستولي على سيارة والدي
منذ مدة ولا تنوي إعادتها، كما استولت على غسالة الأطباق التي أهداها مهند لأمي
ولكنها كانت من أجلي كي يخفف من الأعباء الواقعة على كاهلي بهذا المنزل .. حسنا
لقد كنت متضايقة من الكثير من الضغوط والأشياء ولم يكن ينقصني حقا وقتها آسر
وسخافته لذا فعلت شيء لم أفعله ولو لمرة واحدة بحياتي كلها
رفعت يدي بإشارة بذيئة له!.
أنتفض الطبيب من مكانه صارخا بدهشة
"فعلتي ماذا؟!!".
نظرت له بنظرة باردة
"هل تريدني أن أعيد الكرة؟!".
رفع يديه يستوقفها بسرعة مخيفة وهو يصرخ
"هذه العيادة محترمة وسوف تظل محترمة إلى آخر نفس
بي هل تفهمين ذلك مدام جميلة؟".
كانت نظرتها جامدة ولم يتحرك بها شعرة، فشعر بالسخافة
لأنه فقد أعصابة بهذا الشكل وجلس يعيد هندام ملابسة ويحاول أن يبحث عن وقارة الذي
تبعثر إلى أشياء بعيدة .. ومتفرقة!.
تحدثت إليه بجمود
"هل يمكنني
إكمال الجلسة؟، هل استعدت وعيك؟!".
تنحنح وهو يعدل
من موضع رابطة العنق خاصته كي يرخيها قليلا
"آسف أين كنا مدام جميلة؟!".
أنتفض آسر إلى
الخلف غير مصدق ما فعلته للتو، واتسعت حدقتيه حتى جحظتا! وتمتم بكلمات غير مفهومة،
غير مصدق ما فعلته فاقتربت أكثر بثقة بينما رجع هو متقهقر إلى الخلف وتمتمت له
بهمس سمج
"أنت وخالتك التي أحالت حياتك إلى جحيم وعائلتك
كلها".
ورفعت هذه المرة كلتا يداي بنفس الإشارة البذيئة
فانتفض مصعوق للخلف حتى ارتطم بالحائط خلفه بقوة وتمكنت
أنا من الدخول إلى المطبخ بعد أن أزحته عن طريقي للأبد.
الفوضى تعم المكان، الأطباق والأواني والكؤوس تصرخ تريد
من ينظفها، نظرت لهم نظرة ميتة فاقدة للحياة، وذهبت إلى الطعام المتبقي.. كانت
هناك كميات كثيرة جيدة عبأت علبة كبيرة من أجل مالك عل بعض اللحم يكسو عظام هذا
المسكين بالغ النحافة!.
وذهبت في طريقي دون إعداد الحلو أو الشاي.. ودون إخبار
أحد!.
وعدت محمله بذلك الصندوق الرائع الملفوف بالقماش
المخملي، وكأنه قصه هاربة من عصر المماليك والباشاوات.
نظرت من النافذة وصدق حدثي، هذا صوت أميرة العمارة كلها،
أشعر بصوت البوق الخاص بسيارة المطار من على بعد، فأخذت الصندوق وتسللت إلى الخارج
بسرعة.
تجاوزت والدتها التي أرادت أخذ الصندوق تظن أنه هديه لها
ودلفت إلى أميرة المنهكة وتحدثت بسرعة وبحماسة شديدة.
"أعلم أنكِ متعبه لن أخذ الكثير من وقتك".
فككت الصندوق من القماش المخملي وفتحته أمامها لتتسع
حدقتها دهشة، وسألت متمتمة بإرهاق ممزوج بيأس
"مالك؟".
هززت رأسي لها بحماسة ولم أبالي للرفض الذي ينضح من
عيونها، تمتمت من بين أسنانها
"جميلة أخبرتك بأن هناك خط فاصل بين الشفقة
والغباء، وها أنت حطمتِ كل الخطوط وكسرتي بقلب المسكين، ألا يكفي بؤسه
الخاص؟!".
هززت رأسي نافية بسرعة
"عن أي بؤس تتحدثين لقد وافقت على طلبة".
شهقت بهلع وأمطرتني بوابل من الأسباب التي لم تبدو لي
وقتها بها ذرة واحدة من المنطق!.
"أنها حرب شرسة جميلة لن تستطيعين دخولها".
تمتمت بعند وإصرار أكبر من أي شيء
"مالك الوحيد الذي تقدم لي من أجلي .. من أجل جميلة،
لا من أجل المال أو النفوذ أو المصلحة، أنا بالرابعة والثلاثون مطلقة ولا أنجب،
ليس لدي الكثير من الفرص، لقد حاولت لست سنوات ولم أنجح، هذه هي فرصتي الوحيدة
للحصول على رجل يريدني لشخصي!".
زمت شفتيها باستياء
"ومالك لا يستغلك جميلة بهذا الطلب؟".
هززت رأسي رافضة بشدة
"أنه أنقى من أن يعلم ما هو الاستغلال".
شددت على الكلام بعصبية بالغة
"لا تعلمين ما الذي سوف يواجهك لا تهربي من جحيم
عائلتك إلى جحيم الدنيا لن تستطيعين فعل ذلك مطلقا".
ضربت قدمي بالأرض وكلي إصرار وعزيمة
"بلي يا أميرة، سوف أدخل تلك الحرب الشرسة.. سوف
أدخلها وحدي وأكسبها معركة تلو الأخرى حتى لو أزهقت أخر نقطة دم لي وأنا أحاول".
نهاية الفصل