حكايات بيت الرحايمة_الحكاية الأولي ج1 لهالة الشاعر

 الحكاية الأولي 

(بيت الرحايمة) 
(1)

  

وقف يعدل من هندامه أمام المرآة ويمشط شاربه الكث بمشط صغير، وهز كتفيه بحركة مختالة الغرض منها هندام عباءته ثم نظر إلى العكاز الخاص به للحظة. 

"بسم الله توكلت على الله". 


حكايات بيت الرحايمة الحكاية الأولي ج1
بيت الرحايمة الحكا ية الأولي ج1


ابعد الوساوس عنه بعزم يستعين بالله ومد يده ليلتقط العكاز ويخرج من غرفته الصغيرة مطفئ ضوء الغرفة بحركة رتيبة ومن ثم خرج من ملحقه البسيط يستغفر ويحوقل ليمر على عدة أبواب بنفس الطابق الذي يقطن به وصوت ضربات عكازه تطن على الأرض الصلبة. 

نزل إلى الطابق الأرضي ومن ثم توجه إلى آخر وأكبر غرفة بالمنزل. 

غرفة الجدة 

أو كما يسميها هو 

غرفة الخير واليمن والبركة. 

رفع عكازه إلى الهواء بحركة سريعة وأطرق بهدوء طرقتين لا ثالث لهما لينبئ من بالداخل بهويته. 

ثوانٍ بسيطة وجاءه الرد 

"تفضل يا ولدي". 

تنحنح بعد أن أعاد العكاز أرضًا 

"بسم الله، يا رب يا ساتر". 

كما توقع تمامًا وقفت الفتاة التي كانت تجلس إلى جوار الجدة أرضًا وانكمشت على نفسها أكثر وأكثر وهمهمت بكلمات غير واضحة تستأذن الذهاب وانطلقت في طريقها منكسة الرأس. 

تنحى جانبًا كي تمر من أمامه ومن ثم انحنى إلى أقصى درجة تسمح بها ساقه مقبلا يد الجدة. 

"صباح الخير والبركة يا جدة". 

"صباحك مبارك يا ولدي استرح ولا تتعب قدمك". 

اعتدل وذهب إلى سرير الغرفة حيث جده يقرأ القرآن الكريم وقبل رأسه ليهز الجد رأسه بابتسامة حانية دون أن يقطع قراءته. 

  

توجهه نحو أريكة مغطاة بقماش أصفر نظيف، بل شديد النظافة وجلس يحمد الله بتمتمة خفيفة. 

أكمل الجد القراءة بينما الجدة التي تسبح الله وتحمده بسبحتها التفتت له من جلستها الأرضية وهي على حالها تحرك حبات سبحتها برتابة، انتهت وردها من الأذكار وحمدت الله ومسحت وجهها تشكر ربها نعمة الصحة والعافية والقدرة على حمده وشكره. 

أخذت نفسًا عميقًا. 

وضعت السبحة بحجرها. 

"هل رتبت قدوم الغالية اليوم يا ولدي؟". 

سألته بشوق لا يلمحه إلا من يعرف الجدة فقط خير المعرفة، هز رأسه يطمئنها وهو يستند إلى عكازه بكفيه. 

"أجل يا جدة لا تقلقي قابلني عوض البارحة وأعطاني ورقة بموعد وصولها ورقم الصالة". وأخرج الورقة ودقق فيها بحرص. 

"هل أنت ذاهب الآن؟". 

"أجل ولكن علي بتوصيل حمولة للعاصمة يا جدة ومن هناك سوف أخذ سيارة خاصة لها". 

"اشفق عليك من نفقاتها يا ولدي يكفي تحملك لنفقات الزفاف والآن النقل!، دع النقود يا إبراهيم يا ولدي فهذا المال كد عمرك ولا تتعنت ودعني أنا وجدك نساعد فنحن أولى بها". 

تمم على الورقة بجيب جلبابه بطريقة رتيبة ومن ثم وقف متجاهل الحديث الذي لن يثمر عن شيء جديد. 

"الأذن منك يا جدتي علي بتحميل السيارة قبل الذهاب والمفتاح معي لا أريد أن أتأخر على الرجال بالأرض". 

"حفظك الله يا ولدي من كل شر، اذهب رافقتك السلامة وعد لي بالغالية ابنه الغوال". 

ابتسم بشدة وهز رأسه موافق لها، وانحنى يقبل رأسها ومن ثم طرق باب الغرفة مرة أخرى قبل الخروج كي ينبه الفتاة. 

منكسة الرأس كالعادة منكمشة على نفسها تنظر أرضًا وتضع كف يدها اليمنى فوق اليسرى، القى السلام سريعًا وهو يتنحنح وبمجرد خروجه ظهر شخص ضخم البنية بشكل مبالغ فيه في آخر الرواق مفرود الظهر مرفوع الرأس التقى به قبل خطوات قليلة من غرفة الجدة. 

"صباح الخير يا إبراهيم".   

مجرد تلك الجملة البسيطة كانت كفيلة بجعل الفتاة الواقفة أمام الغرفة تنتفض من مكانها وتزداد انكماشًا على نفسها أكثر وأكثر.   

"صباحك خير يا عبد الجبار".   

امتعض فك عبد الجبار وهو يلقى نظرة خاطفة للفتاة ثم تحدث بصوته الخشن.   

"ألم تتأخر على الرجال بالأرض بهذا الشكل؟!".   

ونظر في ساعة الحائط.   

طمأنه إبراهيم برصانة "لا تقلق كل شيء سوف يصل بموعده، أتركك في رعاية الله وحفظه".   

مضى إبراهيم وعكازة يضرب الأرض بينما عبد الجبار نظر شزرًا نحو الفتاة التي اختفت معالم وجهها تقريبًا لشدة انخفاض رأسها المنحني على صدرها ومضى بخطوات غاضبة إلى غرفة الجدة التي فتحها مباشرة دون أن يطرقها.   

"صباح الخير يا بركة".   

انحنى وقبل رأسها ويدها الممسكة بالمسبحة ومن ثم توجهه إلى والده الجالس على السرير وفعل نفس الشيء ثم عاد ليجلس أرضًا إلى جوارها.   

التفتت له تدقق النظر ثم تمتمت بتكهن.   

"لمَ الغضب منذ الصباح يا عبد الجبار؟".   

لم يلتفت لها ولكن عيناه نظرت لها شزرًا بغضب مكبوت.   

كبتت غيظها هي الأخرى وتكلمت بحزم وهي ترفع سبابتها والمسبحة تتدلى منها.   

"العدل العدل يا ابن بطني العدل العدل"،   

سحب نفس عميق غاضب "استغفر الله العظيم" وأطرق كل كف بالآخر بغضب بالغ ومن ثم انتفض من مجلسه وغمغم بغضب "أنا ذاهب يا حاج قبل أن أغضب ربي".   

خرج من الغرفة وجلبابه يرفل بشدة نتيجة لغضبه البالغ توجه بكتفه كي يتمكن جسده الضخم من عبور الباب فوجد الفتاة انتفضت مرة أخرى فور رؤيته ليزداد غضبه ويمشي خطوات سريعة وصوت جلبابه الحانق يطرق طبول الرعب بقلب المسكينة! 

وضعت يدها على قلبها تهدئ من ضرباته الخائفة وحينما صارت أفضل طرقت الباب بخفوت، ودلفت لتجلس أرضا إلى جوار الجدة وامسكت بقطعة القماش التي كانت تطرزها والابرة وبدأت بالعمل مرة أخرى وسط حنق الجدة البالغ التي صاحت بها بعد أن فارت اعصابها على غير العادة.   

"اذهبي من هنا لا تجلسي معي"،   

اتسعت حدقه الفتاة وهي تراقب الجدة الحانقة   

وسألت بصوت خافت ضعيف   

"لمَ يا جدة هل فعلت شيء اغضبك؟".   

عضت شفتيها بحنق بالغ   

"لم أعد احتمل برودك اذهبي من وجهي".   

أطرقت رأسها بحزن ولملمت حاجياتها وهمت بالوقوف ثم انحنت تناولها شيء.   

"مفتاح الغرفة لقد نظفتها واصبحت جاهزة".   

لم تنظر لها حتى وتمتمت بغضب   

"ابقيه معك حتى تساعديها بترتيب أغراضها حين تصل واذهبي من وجهي الآن".   

تجر اذيال الخيبة خرجت من الغرفة منكسه الرأس لا تدري أين تذهب الآن في تلك الساعة!   

***  


توجه ناحية الثلاث فتيات اللاتي يتضاحكن على شيء ما وهو يعدل من حقيبته الجانبية التي يحمل بها أغراضه، صمت همسهن فور رؤيته وبدأ التكهن.   

" يا لها من بداية رائعة للصباح! ".   

"صباحكن خير وورود يا فتيات"،   

بدلا من الرد عليه مالت كل واحدة من هن بزاوية فمها يحفظن تماما ما يقوم به ابن عمهم. ابتسم لنفسه بسخرية واجاب على نفسه   

"صباحك ورد وياسمين يا بن العم". 

وابتسم بلطف لنفسه بينما هن لم يزددن إلا تكهن.   

المعلقة برقبته وسحب منها عدة طرح وأهداهن بها وكل واحدة منهن تمد يدها بملل مبالغ فيه.   

"أنار الله وجوهكم بنور الإيمان والحجاب يا فتيات وكتب لكم السعادة في الدارين... ".   

"هذا كثير والله!"  

انتفضت كبيرتهم   

"لقد امتلأت الخزانة بطرحك يا عوض!"،  

زاغت عيناه التي كان ينظر بها أرضًا إلى جنب وتمتم  

"لأن مكانها فوق رؤوسكن يا بنت العم لا الخزانة".   

اغتاظت كثيرًا منه وجمعت الطرح من أيدي الفتيات وأعادتها له بغلظة.   

"كف عن اهدائنا الطرح لن نرتدي الحجاب إلا عندما نريد نحن ذلك، لسنا دمى تحت أمرتك!".   

"والله ما قصدت إلا الخير يا بنت العم وأني أريد...".   

زمجرت بوجهه بغضب عال  

"الثواب نعلم تريد الثواب وأن نتزوج ويكتب لنا الستر".   

ونظرت بمكر للأخريات   

"لكن طلبك ليس هنا يا عوض وأنت تعلم ذلك جيدًا فابحث عن زوجتك بعيدًا عنا واهدها الطرح كما شئت".   

التفتت وغادرته بكبر بالغ والأخريات يتبعنها يتمتمن بكلام جرحه بشدة   

"نجوم السماء أقرب له!".   

وقف منكس الرأس وشعور بغيض بخيبة الأمل يتسرب له لكنه استغفر وقاومه وهمس لنفسه بحزن   

"على الأقل حاولت.. ربما علي أعطائهم لمن سوف تأتيني بالثواب دون عناء".   

طبقهم بعناية وأعادهم إلى حقيبته وتوجه إلى غرفة الجدة حيث ضالته، توقف بمنتصف ساحة البيت حينما وجدها تسير منكسة الرأس كعادتها   

"مرحبًا يا ورد صباحك خير".،  

هزت برأسها في تحية صامتة له،   

"تفضلي هذه الطرح لك" 

تناولت الطرح منها وهي سعيدة ونظرت له غير مصدقة  

"حقا! كلها؟" 

"أجل، أنتِ أولى بها، أنتِ الوحيدة التي ترتدي الحجاب الشرعي في هذا المنزل، مبارك لك".  

تناولت الطرح منه بحبور بالغ وضمتها إلى صدرها، فابتسم هو الآخر لأنه أخيرًا هناك نتيجة لأفعاله، حينما رفعت رأسها وهي سعيدة بالطرح وجدت عبد الجبار ينظر لها شذرا، انتهت ابتسامتها وانتفض قلبها مرة أخرى 

"العذر منك" 

وصارت منكسة الرأس عائدة إلى غرفتها. 

تابعها عوض بحزن وهي عائدة إلى غرفتها وغمغم  

"مسكينة، أعنها الله على ما هي فيه 

 ومن ثم توجه إلى غرفة الجدة كي يلقي عليها تحية الصباح. 

*** 

خرج عوض من غرفة الجدة إلى ساحة المنزل الخارجية ليجد كلاً من والديه يقفان بالخارج ووالدته تساعد والده على الخروج، توجه نحوهم سريعًا. 

"ذاهبون إلى المشفى الآن؟"،  

"أجل يا ولدي، إنه موعد والدك". 

"في رعاية الله وحفظه، حفظك الله لي يا أبي"،  

نظر والده له بشفقة وربت على خده يعلم بأنه يريد الذهاب معه ويتمزق لرفضه. 

"يا ولدي، لقد اتفقنا أن تذهب إلى موعد عملك ولا تتأخر عليه، وهذا الموعد مناسب لي قبل الزحام، وأمك معي لا تقلق". 

انحنى عوض بشفقة وقبل والده. 

"حفظك الله لي يا أبي وحماك لي من كل شر وأعاد لك صحتك وعافيتك بإذن الله". 

"شكرًا لك يا ولدي، هيا هيا اذهب إلى عملك ولا تتأخر". 

انحنى عوض وقبل يد والده مرة أخرى ومن ثم انطلق في طريقه إلا أنه سمع صوتًا بالدوار الخلفي للمنزل والذي يحتفظون به ببعض الماشية والدجاج، اقترب من المكان بهدوء يلمح حركة غريبة، فوجد إبراهيم يربت على بقرة سمينة، ارتفع حاجبه وتعجب. 

"حاج إبراهيم، ما الذي تفعله هنا؟!" 

"تعال يا عوض، لقد أتيت بموعدك". 

"أنا! ما الأمر؟". 

 

"هذه البقرة اسمنها منذ ستة أشهر كي اتمكن من بيعها وتزويج ابنه الغالي اريدك أن تراقبها من أجلي فانا سوف أتأخر اليوم بالعاصمة".   

ربت عوض هو الأخر على البقرة وقال   

"لا تقلق سوف أمر عليها اثناء عودتي واطعمها جيدا".   

"سلمت وسلمت يداك سوف اذهب الآن كي لا أتأخر اتركك في رعاية الله".   

هز عوض رأسه وربت مرة أخرى على البقرة وتمنى بخفوت  

"ليتني أملك بقرة أنا الأخر كي اتمكن من الزواج، ولكنها اقدار الله".   

ربت عليها مرة أخرى  

" بارك الله فيك توكلت على الله 

والتفت يعدل من حقيبته الجانبية وتوجه إلى مكان عمله... مدرسه الزراعة الخاصة بالبلدة.   

***   


"يا مسهل يا رب.. يا مسهل يا رب 

كرر هذه الجملة بحنق وهو يدق بعكازه أرضا، لقب ذهب إلى الأرض صباحا وجمع المحصول واوصله الى المتجر بالعاصمة كي يبيع الخضار له ومن ثم نقد النقود خاصته وأخذ السيارة الخاصة لمدخل المطار كي يستقبل ابنه الغالي 

"يا مسهل يا رب".   

لقد خرج الجميع تقريبا إلا هي!، سأل عامل المطار الذي يعيد ترتيب عربات الحقائب مرة أخرى 

 "هل أنت متأكد من أن هذه هي الطيارة القادمة من استراليا؟!".   

نظر له العامل بغرابه   

"ألا ترى انها مليئة بالسياح والأجانب بالتأكيد انها هي لا تقلق سوف يخرج من تبحث عنه الآن".   

"شكرا لك يا أخي".   

هل ركبت الطائرة؟   

هل حدث لها شيء ما؟!!   

القلق يفتك به، وإذا بها أخيرا تخرج من باب المطار وخلفها عامل من عمال المطار يجر عربه بها ثلاث حقائب عملاقه بينما هي تضع نظاراتها الشمسية وشعرها البني الممزوج بالأشقر يتدلى حول وجهها وأكتافها.   

ما إن ابتسم حتى انمحت هذه البسمة من وجهه وهي تلوح له بسعادة بالغة وكشر عن أنيابه، ما إن رأت هذه التكشيرة حتى نظرت إلى نفسها تبحث عن الخطأ الذي ارتكبته، ثم فطنت سريعاً أنها خرجت له عارية الأكتاف!   

رفعت نظارتها البنية العملاقة ذات الإطار الذهبي ومن ثم كل من كفيها إلى وجهها بدرامية مضحكه وكأنها تصرخ من الهلع.   

ما إن وصلت له حتى تدللت عليه وامسكت بذراعة   

"اشتقت لك كثيرا يا عمي إبراهيم ألن ترحب بي؟".   

ورمشت بأهدابها الكثيفة والطويلة بدلال   

تنهد بحنق منها   

"ما ان تستري نفسك هيا ارتدي هذه السترة"   

"امرك.. امرك"   

ورفعت يدها فوق الى جانب جبينها في تحيه عسكريه وهي تضرب الأرض نظر لها بيأس وأمر الرجل بأن يأخذ الحقائب إلى السيارة بينما هي فكت السترة من حول خصرها وارتدتها سريعا   

"ولكن الجو حار جدا يا عمي ابراهيم ارجوك! ".   

" لا تتدللي وادخلي إلى السيارة هيا 

لوح لها بعكازه بنزق   

التفتت امامها تداري حنقها ومن ثم ربعت ذراعيها ونظرت بعيدا عنه  

" أين هي سيارتك؟ لمَ لم تأتى بها؟!!، لمَ اتيت بسيارة هاصة (خاصة)!".   

تنهد وهو يراقب طريقتها السريعة في الكلام تمزج معرفتها بالعربية بالحروف التي لا تجيدها فلغتها الام ليست العربية إلا أن شقاوتها وعندها صعيدي صرف وليس فقط عربي!   

تجاهلها وراقب السائق المسكين الذي يحاول إدخال الحقائب خاصتها إلى السيارة ثم سألها بسخريه لم تستطع تبينها.   

"لما لم تأت بحقائبك كامله؟!"   

"آه!".   

التفتت وراها بعدم اكتراث تراقب السائق   

"لقد اتيت بالأشياء الهامة معي، اما باقي اغراضي فقد قمت بشحنها سوف تصل بعد غد".   

"يا حبيبي!، اعان الله زوجك عليك".   

تمتم لنفسه بخفوت   

" ءروس (عروس) ومن هقي (حقي) ان اشتري اشياء العروس!".   

وهزت كتفيها ببديهيه   

"عزيزتي عروس ام لا مشترياتك كثيرة يا إبنه الغالي! ".   

هزت كتفيها مرة أخرى وغمغمت بدلال   

" (أهب) أحب التسوق يريح لي اعصابي".   

لكنتها  

 بساطتها.. عفويتها  

 كل شيء بها مختلف تماما عن نساء البلدة مما يجعلها مميزه للغاية،   

يجعلها فريدة من نوعها، يجعلها الوحيدة التي تتمكن من رسم البسمة على وجهه ها قد عادت الحياة له وعادت الأمور إلى نصابها،   

بعودتها فقط....   

***  


(حكايات بيت الرحايمة)


بعد ساعة كانت تستند إلى حافه نافذه سيارته المهترئة النصف نقل التي يقوم بنقل الخضار والبضائع بها إلى العاصمة والمحافظة، وشعرها يتطاير من حولها والريح تقذف برائحتها إليه، نظر إليها سعيدة مبتسمه تراقب الأشجار والأرض والهواء يعبث بشعرها بشدة.   

"يكفي.. يكفي يا ابنه الغالي، ادخلي وأغلقي النافذة كي لا تمرضي"   

فردت كل من ذراعيها بالهواء ولم تكترث لم قاله لها ومن ثم بعد أن وكزها بذراعها اضطرت إلى إدخال رأسها بالسيارة.   

"انت لست بالخارج لا تجعلي الناس تتفرج علينا".   

تنهدت، "امرك عمي، ولكنك أنت من تجبرني على ذلك اريد خلع هذه السترة اشعر بالحر والسيارة غير مكيفه! ".   

"لن تخلعيها النساء بالبلدة يرتدين أكثر من ذلك بكثير ولا يشتكون مثلك لا تكوني شكائه بكائه يا ابنه الغالي".   

ضمت كل من ذراعيها ونظرت له ومن ثم نظرت أمامها مرة أخرى وهي تبتسم ابتسامه شريرة تعلم القواعد، ولكنها تحب أن تشاكسه!   

" كيف هي الجدة؟ ".   

سألته ثم تنهدت بحب   

" لقد اشتقت إليها".   

هز رأسه   

" في خير ونعمه الحمد لله".   

ثم انتبه جيدا الى الطريق الترابي الذي يخوضه   

"كم بقي أمامنا؟"،  

"ساعة ونصل".   

تنهدت مره اخرى بدراميه  

 "لولا تعنتك لكان هميد (حميد) هو من يأتي بي الآن"   

"لا داعي للتذمر يا ابنه الغالي لن يحدث ما برأسك"   

"أريد أن اعلم لمَ تتعنت في هذا الأمر؟، لما لا تجعله يعقد القران الآن؟!".   

"عقد قرانك لن يتم إلا يوم زفافك هذا أمر منتهي أنا ولي أمرك وأنا المسؤول عنك وأدرى منك بمصلحتك لن أفرط بك له بالسهل أبدا إلا يوم الزفاف".   

امتعض فكها مرة أخرى بغضب وقررت النظر إلى النافذة وعدم محادثته باقي الطريق، حاول جذبها إلى الحديث مرة أخرى بالسؤال عن خالها وعن أحوال المدينة التي كانت تعيش بها بالخارج، ولكنها رفضت الرد عليه وضحك هو منها ومن طفولتها.   

" لن تستطيعي اثنائي عن قراري أبدا هذا الأمر منتهي، عقد القران يوم الزفاف انتهى الأمر".   

تحدث بحزم ولم يبال بغضبها الطفولي وهي الأخرى تعنتت ولم تتحدث طوال الطريق إلى أن وصلت إلى مدخل البلدة وخرجت رأسها من النافذة مرة أخرى تشتم رائحة التراب من رائحة الأيام الحنون، سعيدة بانها وصلت أخيرا إلى مكانها... بلدها الأم.   

***   

     

نظرت المساعدة بتوتر لكل من المحرمتين التي تمسك بهما وهي تشعر بضغط بالغ أي واحدة منهم للحاجة وأي واحدة منهم للحج!   

بينما تجلس الجدة إلى جوار الجد على السرير تنتظر الطعام فقد وضعت المساعدة الموجودة  

  

  

بالمنزل الطاولة أمام السرير، ولكنها لم تأت بالطعام بعد! 

"يا أم سعيد لمَ نجلس هكذا طالما أن الطعام لم يجهز بعد؟!". 

"ها!!". 

رفعت رأسها ببلاهة فارغة الفاه ثم استأذنت منهم وعادت إلى الباب مرة أخرى. 

"أي واحدة منهم للحاجة؟". 

سألت بوشوشة 

"أخبرتك يدك اليمني للجدة واليسرى للجد ما بك يا أم سعيد؟". 

هزت رأسها ببطيء حيث طاولة الطعام مرة أخرى وهي تكرر اليمنى للحاجة.. اليمنى للحاجة.. . 

أرتفع حاجب الجدة  

"جنت أم سعيد.. أحفادك وأولادك جننوها!". 

بينما الجد يبتسم لورد التي تخفي نفسها خلف الباب وتخفي وجهها بطرف حجابها. 

فتحت أم سعيد كل من المحرمتين بحذر واحتارت بأمرها أكثر أي من الحبوب قبل الطعام وأيهم بعد؟!. 

نفضت يدها بحيرة شديدة وتحدثت بيأس ممزوج بعذاب  

"يا ست ورد هذا كثير علي والله كثير!". 

وخرجت راكضه متبرمة من الغرفة  

"بحياتي لم أبلع أي من هذا الزفت!، والله لا أعلم بهم شيء!!". 

ابتسم الجد لورد وأشار بيده بأن تأتي فأشارت برأسها على الجدة التي التفتت ناحيتها في تلك اللحظة. 

نظرت الجدة أمامها بكبرياء مرة أخرى بينما عادت أم سعيد أخيرا من المطبخ ومعها الصينية الخاصة بطعامهم ووضعتها أمامهم وذهبت. 

استمعت ورد لإشارة الجد ودلفت بخفوت ككل شيء بها، حاولت تقبيل يد الجدة لكن الجدة لم تسمح لها، فحزنت ورد وعادت خطوة إلى الخلف. 

"يا أم عبد العظيم سامحيها". 

"وهل يعجبك حالها المائل هذا يا أبا الأولاد؟". 

"سامحيها من أجلي هذه المرة أعدك أن تسمع الكلام ولا تغضبك مرة أخرى". 

غمغمت بغيظ من بين اسنانها  

"هذا ما يغضبني بالأساس، سماعها للكلام!!". 

فتحت ورد المحارم وناولت كل من الجد والجدة الدواء فأخذتها منها الجدة بغضب، هي نفسها لا تعلم ما الدواء الذي يجب عليها أخذه؟ 

 هي لا تعلم أي شيء فورد تتولي كل شؤنها تقريبا.... 

***  

جاءت تلهث من بعيد تستند إلى حافة باب غرفة المدرسين تلتقط أنفاسها بصعوبة، وجهها محمر بشدة وذرات العرق تسقط بغزارة عن وجهها أنتبه عوض إلى صوت تنفسها العالي والتفت لها فوقف سريعا وأزاح لها الكرسي وسكب كوب مياه لها وتحدث بعتاب بالغ. 

"لمَ أتعبت نفسك أخبرتك بأن تذهبي بعد اليوم الدراسي". 

"شعرت.. بالحماسة.. الشديدة.. عندما لمحت.. بصوتهم القبول". 

كانت تلهث بشدة، سكب لها عوض كوب آخر من الماء والتفت لها بحماسة، وأخيرا قبلت به عروس! 

"ها أكملي؟". 

حسها على التحدث بسرعة، فتكلمت بإحراج بالغ 

"لديهم شرطين". 

ورفعت أصبعين غير واثقين، ابتلع لعابه بتوتر وهز رأسه بأن تكمل حديثها 

"والدها طلب ...". 

اتسعت عيونه بشدة  

"كم؟!!!". 

أصفر وجه عوض بشدة من الرقم  

"تتدبر لا تقلق سوف أتصرف توكل أنت على الله". 

"كيف يا أستاذه عنايات؟ لا أملك أي من هذا المال والله كل قرش معي أصرفة على تجهيز الشقة". 

جاءت شفتها على جنب وتحدثت من بين أسنانها 

"تقصد الغرفتين يا عوض". 

"أي يكن يا أستاذة عنايات والله لا أملك ربع هذا المبلغ حتى!". 

نظر أسفل بإحباط ثم سألها بتوتر  

"هل أخبرتهم بأنني سوف أتكفل بالطفلين وبرعايتهم ولن يفترقوا عن والدتهم ولو ليوم واحد حتى". 

هزت رأسها بنعم 

"لمَ يبالغ والدها إذا هكذا فأنا لن أطلب منهم شيء أبدا سوف نجهز المنزل دون مبالغة وأغراضها القديمة تفي بالغرض لن أكلفهم بقرش واحد". 

تنهدت وجاءت شفتها مرة أخرى على جنب بتناقض رهيب، ولكن جميل مع وجهها الأبيض المشبع بالحمرة  

"لقد استولى أهل زوجها المتوفي على ميراثها هي وأولادها ويريد تأمين مستقبل أبنته". 

"لا حول ولا قوة إلا بالله والشرط الثاني يا أستاذه عنايات؟". 

حرجت كثيرا وزاغت عيونها يمينا ويسارا  

"الشرط الثاني شرط العروس لا والدها". 

قضمت شفتيها بحرج بالغ وازداد احمرار وعرق وجهها 

"ألا تنجب منك أبدا أي أطفال". 

أمتقع وجهه ونكثت رأسه بحزن بالغ وأخرج دفتره الصغير بقلب مثقل بالهموم وعند الرقم خمسه وثلاثون شد خط يحذف هذا الاسم من أسماء عديدة لزوجات محتملات يرفضنه. 

ربتت على كتفه  

"لا تحزن يا ولدي سوف ترزق بأحلى عروس في أقرب فرصه". 

ابتلع غصة مرة عدد مرات رفضه تجاوز سنوات عمرة التاسعة والعشرون، ولا لم يكتب الأسماء بهذا الدفتر كي يذل نفسه، بل لأنه حدث وتقدم مرتين لنفس العائلتين بالخطأ. 

"ما رأيك ببيت النادي لهم أبنه مطلقة". 

قلب في دفتره الصغير  

"هذه رقم خمسه وعشرون أستاذه عنايات". 

"أه صحيح أسفه جدا". 

امتصت شفتها السفلى تفكر  

"ما رأيك بعائله عويس لديهم أرملة تزوجت لشهر واحد فقط وتوفي زوجها والرجال يتشاءمون منها". 

قلب في دفتره 

 "أليست هذه هي نفسها رقم سبعة عشر؟!". 

نظرت إلى الاسم بتدقيق وعضت شفتها  

"أجل هي نفسها". 

أرتفع رأسها بحرج بالغ لم تستطع مساعدته منذ سنوات وهي تحاول ولا شيء أتى بنتيجة. 

"لا بأس يا أستاذة عنايات يشهد الله أنك ما قصرتِ في شيء، أتركِ هذا الأمر من فضلك، فليفعل الله خيرا بإذن الله". 

نظرت له بحسرة لو أن أبنتها توافق عليه لن تجد أفضل منه، لكنها لم تعرض عليها الأمر حتى!، فأنفها بالسماء وهو محكوم بضيق الحال. 

ضربته في كتفه فأقشعر جسده وتنحى جانبا 

"أستغفر الله العظيم سيئات بلا هدف يا رب!". 

ضربته مرة أخرى كي يلتفت لها فأنتفض من مجلسه يستغفر  

"يا امرأة أخبرتك ألف مرة بأنه لا يجوز هذا التلامس!". 

ضحكت بشدة عليه وضربته مرة أخرى بقوة أكبر أثناء ذهابها  

"سوف أدخلك بجمعية كي ترتب أمورك براتبك". 

"لا تفعلي أحتاجه". 

رفض ببؤس 

"بلي أبحث عن دخل أخر سوف أحرص على أن تقبض أنت الأول سلام". 

أغمض عيونه وفرك وجهه بتعب ثم ضرب الجرس معلن عن انتهاء اليوم الدراسي فلملم أغراضه وتوكل على الله. 

***  

إرسال تعليق

يسعدني معرفة رأيك بالفصل أو المقالة

أحدث أقدم

نموذج الاتصال