الحكاية التاسعة
(عرس ياسمين)
(1)
يا أبو اللابيش يا قصب
عندنا فرح واتنصب
انتبهت الجدة للصوت
العال الذي صدح فجأة بالمنزل بأغنيتها المفضلة التي تغنيها بالأفراح دائما!.
ارتسمت البسمة على
وجنتيها الجعدتين اللاتين تكورتا للأعلى بابتسامة جميلة
دلفت ياسمين تركض بفرحة
لجدتها بفستان طويل مطرز على غرار العباءات المنزلية وشعرها الطويل يتدلى من حولها،
ترقص وتقفز بسعادة بالغة وتقبل توحة من وجنتيها وسحبتها من يدها والنسوة بالمطبخ
يتابعونهم بسعادة.
حكايات بيت الرحايمة بقلم هالة الشاعر |
"ماذا هناك يا
ياسمين؟ الحنة تكون مساءا!".
هزت ياسمين رأسها وهي
على حالها لا تزال ترقص
"أعلم أعلم أنها
حفلة خاصة بنا نحن، مساءا سوف ننفصل وسوف يكون المنزل مليء بالأغراب".
جابوا القميص على قدها
نزلت تفرج عمها
قال يا حلاوة شعرها
تسلم عيون اللي خطب
أخذت توحة وركضت بها
للخارج وقد تجمع بالفعل أعمام ياسمين ومعظم الاحفاد وتركت زوجات أعمامها المطبخ
وتجمعن بالساحة الداخلية الكبيرة للمنزل يشاهدون ياسمين ترقص بسعادة وفرح وقد على
صوت الزغاريد الفرحة المحبة يشجعونها.
صفقت توحة تشجعها بقوة
وتتمايل مع الألحان حسب خطوات سنها الكبير
يا أبو اللابايش يا قصب
عندنا فرح واتنصب
ركضت ياسمين بشقاوة تجر
عبد الجبار من مقدمة ملابسة إلى وسط الساحة نهرها بقوة بألا تهز هيبته أمام
الأجانب إلا أنها هزت رأسها رافضة بقوة، فخطف عكاز أبراهيم بسرعة البرق حتى أفزع
الجميع ودار العكاز بمهارة بالغة في يده عدة مرات ومن ثم رقص كما ينبغي للرقص أن
يكون، أبهر جميع أصدقاء ياسمين بشدة.
دار العكاز بيده بمهارة
بالغة ومن ثم بدأ بالضرب على جانبي ياسمين التي ترقص أمامه بشقاوة تمزج بين بعض من
الحركات الشرقية والأجنبية مكونه نغمة جميلة تليق بها، لم يخطئ عبد الجبار هدفه
أبدا وبدى أنه متمكن بمهارة مما يفعله ثم أحتجز ياسمين بعكازة وهي تراقصه وتلاعبه
بشقاوة.
تجمعت افراد الاسرة
كلها تصفق لهم بقوة وتشجعهم على البهجة التي اشاعوها بالمنزل بعد أن توتر الكل
بسبب التحضيرات الكثيرة.
جابوا السرير على قدها
نزلت تفرج عمها
قال يا حلاوة شعرها
تسلم عيون اللي خطب
يا أبو اللابيش يا قصب
عندنا فرح وأتنصب.
دمعت عيون توحة بشدة
تلوح بذراعيها بالهواء ترقص وتتابع ياسمين وعبد الجبار بمحبة وشغف لم يحتمل عوض
وخطف عكاز توحة المركون إلى الحائط وذهب يرقص معها، العكاز يدور بيده بمهارة ومن
ثم أحتجز توحة هو الآخر بالعصا فرحت توحة به كثيرا وقبلت كل من وجنتيه
"أفرح بيومك يا
حبيبي والله لأرقص به".
دمعت عيون عوض وقبل
رأسها وأزاحه فتحي بغلظة كي يأخذ مكانه ويراقص الجدة فذهب عوض لوالدته التي تملأ
المنزل بزغاريد الفرح ويراقصها ويقبل رأس والده الفرح ورأس والدته هي الأخرى.
جابوا الخلخال على قدها
نزلت تفرج عمها
قال يا حلاوة شعرها
تسلم عيون اللي خطب
اتجهت ياسمين بشقاوتها
ناحية أبراهيم الذي يتابعها بسعادة رغم فشله بالرقص معها لكنه استمر بالتصفيق لها
وتوزيع نظرات المحبة التي تغمره لسعادتها إذا ما كان هناك أحد يستحق السعادة فهو
ياسمين.. وحدها من ينشر البهجة بحياته المظلمة الكئيبة!.
اتجهت نعمات على الفور
لزوجها تراقصه ونظرات السماح معلقة بعيونها ذهبت له صباحا وجلبته بالقوة لمنزلها
تبكي بقوة وقد تورمت جفونها بشدة دليل على ليلة مليئة بالبكاء توسلت له بأنها
تفوهت بهراء كبير نتيجة لغبائها
"تعلم أنني لا
أعني هذا يا عبد الجبار والله العظيم لم أقصد".
"كيف طاوعك قلبك
بأن تكسري بخاطر نسيمة بهذا الشكل وأن تتحدثي على هكذا أمامها؟!".
بكت بشدة تطلب السماح
منه وتضمه لها بكل قوتها
"لا أستطيع العيش
بدونك يا عبد الجبار لا تفعل هذا بي تركتني ونسيتني ووعدتني بألا تفعل يكفي بعاد
يا عبد الجبار، يكفي!".
تضمه لها بقوة وتقبل
يده ووجنته تتوسل له بشغف بأن يعود لها فاستسلم أخيرا لها يضع رأسه على كتفها ورفع
ذراعيه يربت على ظهرها بأن تهدأ فضمته لها بقوة وبكت أكثر فرحة برجوعه لها.
استسلم بقلب موجوع يعلم
بعيوب نعمات جيدا لكنه أيضا يعلم بأنها الوحيدة التي تريده لها وتخشي ابتعاده عنها
طوال الوقت فاستسلم لمن تريده، تارك قلبه موجوع ملوع عند تلك التي لا تريد.
شاحبة صفراء أكثر من أي
وقت مضى تراقبهم من بعيد تعلم من متابعتها لرقصهم معا بأنهم تصالحوا، تمنت لهم
السعادة وابتعدت، الجميع أنضم للرقص وياسمين إذا ما رأتها سوف تجرها للرقص معها
فانسلت بهدوء للأعلى.
لكن عيون عبد الجبار
رغما عنه تابعتها، عض أسنانه من قلبه الغبي ونظر مرة أخرى لنعمات التي تمسك بيده
وتلوح يمين ويسار بسعادة
"بارك الله لنا بك
يا جبورتي وأدامك فوق رؤوسنا".
نظر لها ورسم بهجة وبحث بعيونه عن نسيمة وحملها على ذراعه يرقص معها ويقبل وجنتها بحب ويقبل رأس نعمات كي تطمئن نسيمة، أبنته حساسة جدا ولا يريد أن يفقدها في لحظة حزن!، كفاه ما فقده بشدة سابقا ولم يستطيع تعويضه إلى اليوم.
دلف حميد أخيرا بعد
هاتفته ياسمين بأن يأتي على الفور فتركت ياسمين أبراهيم وركضت نحوه وجذبته من يده تراقصه
بمنتصف الساحة وراقبها أبراهيم وقد أنخلع قلبه فور ذهابها من أمامه!.
***
تقف بهيبتها أمام
المنزل رغم أن مديحة خذلتها كثيرا إلا أن أصول الضيافة عند توحة لا مزاح فيها وخلف
منها كل من المساعدتين أم صالح وأم سعيد تقف أم سعيد متشوقة للقاء زوجة الطبيب
التي لم تأتي إلى هنا منذ مدة بينما أم صالح الخذلان يأكل منها لا أحد يتعامل معها
بالمنزل بعد ما فعلته بورد المسكينة، فقط لأنها لا تتحدث!.
فتح السائق باب السيارة
الفارهة كي تنزل منه مديحة التي ذهبت بخجل للجدة سلمت عليها وقبلت توحة وجنتيها
برسمية وليست قبلاتها المتتالية المحبة فضاق صدر مديحة على الفور.
دعتها للدخول وراقبت
الجدة التوك توك القادم نحوهم بقلب موجوع تشعر بشيء غريب!.
وبالفعل نزلت منه لمياء
زوجة أبنها زهير الذي هجرها ويعيش بالعاصمة الآن، نزلت لمياء بتوتر ووجه شاحب خجله
من الجدة تحدثت الجدة بصوت قاس
"أخيرا تذكرتم أن
لكم أهل هنا، أين الأولاد والمحترم زوجك؟!".
وقفت أمام الجدة بخجل
تعض شفتيها وتحدثت بصوت مهزوز
"أن أنا هنا منذ
عدة أيام نزلت عند أخي".
فهمت الجدة بأن الأمور
تفاقمت للغاية بينهم تنهدت بألم
"أدخلي الآن
أخبريني بكل شيء"
توترت لمياء ودمعت
عيونها بشدة
"لنتحدث بعد العرس
يا بركة هذا عرس الغالية أبنه الغوال لن نعكر صفوة بأي شيء".
هزت الجدة رأسها ودعتها
لتصعد وتستريح بشقتها قليلا وتذهب لياسمين لأنها سألت عنها أكثر من مرة
دلفت الجدة غرفتها لتجد
مديحة جلست بأحد الارائك العلوية بها
"غرفتك دافئة توحة
كما كانت دائما".
جلست الجدة أرضا وجرت
الصينية خاصتها وحضرت كوب قهوة على الفور مضبوط السكر ووضعته بالفنجان الذهبي
الانيق خاصتها
"سلمت يداك
توحة"
شكرتها مديحة بتوتر
وبدأت بشرب القهوة على الفور ممسكة إياه بأناقة بالغة بأصابعها المطلية بلون
النبيذ والخاتم الماسي المميز الخاص بزواجها.
سألتها الجدة عن زوجها
الطبيب ولم لم يأتي معها واعتذرت نيابة عنه لأنه بمؤتمر طبي خارج البلاد ويرسل
تحياته وأسفة
شكرتها الجدة كثيرا على
ما فعله مع أبنها الرفاعي حينما ذهب الي العاصمة من أجل الفحوصات والتحاليل.
"هذا لا شيء توحة
ليس بيننا مثل هذه الأمور".
زمجرت الجدة بها بشدة
"طالما تعلمين هذا
يا مديحة لمَ أتيت يوم الحنة مثل الاغراب؟ تاركة إياي غارقة بتلك الأشياء التي لا
أفهما عن العرس الغريب الذي تريده ياسمين!!!".
دمعت عيون مديحة بشدة
ومسحت جفونها سريعا بالمنديل قبل أن يتلطخ وجهها المتقن الزينة
"أسفه توحة، حقا أسفه
أعرف أنني تصرفت بطفولية شديدة ولم تستحقي هذا مني"
زمجرت الجدة بقوة أكثر
"ولا
ياسمين!".
تركت مديحة القهوة
ومسحت دموعها سريعا
"أنا فقط أردتها
بشدة تعلمين ذلك".
تنهدت الجدة ونظرت
بعيدا عنها
"أه منك
أه!".
"لا تكوني قاسية
معي".
لوحت الجدة غير مصدقة
أبدا
"والله أبنك أعقل
منك وتفهم الموقف والوحيد الذي يهاتفني دوما يطمئن على وكلما نزل أحد أصدقائه مصر
يرسل لي الهدايا معه، فيه الخير والله طمر به العيش والملح".
حزنت مديحة من نفسها
بشدة ودلفت أم سعيد بتوتر تخبر الجدة بأنها لا تفهم شيء أبدا مما يريدون تنظيم
الحفل بالخارج والأمور سيئة للغاية وياسمين غير متفرغة لهم.
وقفت الجدة وذهبت مديحة
خلفها وقد تفهمت المشكلة على الفور من الشركة التي أتت من العاصمة كي تحضر المكان
الخاص بالزفاف.
"لا أفهم أي شيء
نادي على يا سمين أو حميد".
"لا بأس توحة أنا
أستطيع تولي الأمر".
"والله لا نريد أن
نثقل عليه مديحة خانم بعد أن أتيت مثل الأغراب بيوم الحنة!".
تمسكت مديحة بذراعها
"لم أعهدك قاسيه
هكذا!".
أدارت توحة رأسها بعيد
عنها وغمغمت بطفوليه
"لأنني حزينة بشدة
منك".
تأوهت مديحة منها
ووعدتها بألا تذهب إلا وهي راضية عنها
تحدثت الاثنتان وفهمت
مديحة مشكلة الشركة المنظمة على الفور ثم سمعوا صراخ لياسمين
"دي دي!".
جرت ياسمين نحوهم شعرها
مبلول ويبدو أنها خرجت من الحمام للتو دمعت عيونها بشدة وقد تعلقت برقبه مديحة
"فقدت الأمل عندما
تهربتِ مني بالجونه ولم أرك!".
"لم يطاوعني قلبي
لن تسامحني جيسي على هكذا فعله!".
"جيسي فقط أيتها
الماكرة!"
ضمتها ياسمين بقوة لها
وقد بدت مديحة سعيدة جدا تحب ياسمين بشدة تولتها بعد وفاة والدتها وتمنتها أبنه
لها، تفاهما كثيرا مع بعضهم البعض بينهم صداقة ومحبه ووجع فقد داوه معا، وتمنتها
بشدة ل تيم أبنها كي لا تذهب عنها أبدا لكن ياسمين اختارت حميد.
تأوهت مديحة بعد أن
شعرت بالبلل وسألت ياسمين عن السبب
"أه أرسلت لي توحة
أحد النساء تدلكني بشيء غريب، أنظري ليدي صرت المع من النظافة".
ضربت الجدة صدرها وشهقت
مديحة
"خرجت من الحمام
الساخن سوف تمرضين يا مجنونه".
"لا شيء توحة انا
بخير!"
نهرتها الاثنتان بقوة
ومن ثم فهمت من ياسمين ما تريده بالضبط وعلمت كل طلباتها.
نزل كل من هاجر وتارا ومن ثم أخذوا ياسمين تأوهت
الجدة بحسرة وعاتبت مديحة على تركها لهاجر بهذا الشكل.
"لا تخبريني يا
مديحة بأنه ليس لك معارف أو عريس مناسب لهاجر بتلك الدولة الي تريد أنهاء دراستها
بها؟!"
أرجعت مديحة خصلاتها
المصبوغة للخلف
"لم أفكر هكذا
صدقيني لكنني تحدثت إلى والدتها توحة بالطبع لم أتركها بهذا الشكل!".
"أين هي لماذا لم
تأتي معك؟!".
هرشت جبينها بحرج بالغ
تخبرها بأنها اعتذرت عن القدوم لكنها أرسلت هديه العرس الخاصة بياسمين معها هزت
الجدة رأسها بحزن
"ماذا لو عاودت
المسكينة فعلتها مرة أخرى؟ هل سوف ينفعهم المال الذين يركضون خلفه بهذا
الشكل؟!".
تأوهت مديحة بحزن
"الأولاد صاروا متعبين
جدا توحة حتى تارا انغلقت على نفسها كثيرا بالفترة الماضية بالكاد تتحدث معي أنا
أو والدها!"
ناظرتها توحة بغضب
والتفتت أمامها مرة أخرى فأمسكت مديحة بذراعيها ترجوها بأنها لابد وأنها تعلم شيء!
"بالطبع أعلم
وحللت الأمر لا تشغلي بالك".
"حقا توحه ما
مشكلتها؟!".
"الموردون استغلوها
ولا يرسلون البضعة باستمرار ويرفعون الأسعار".
شهقت مديحة بأنها لم
تخبرهم أبدا بشيء!
"بالطبع لن تخبركم
وقد صعبتم الأمور عليها وتركتموها وحدها وذلك الشرط الذي وضعه الطبيب بأنها إن
فشلت سوف تعود للعمل بشركة عمها، هل توقعت أن تهرع اليكم؟!".
ارتسمت شفتها المطلية
بلون قاني مثل أظافرها بخط واحد
"كيف سوف
تحليها؟!".
لوحت توحه بيدها
للمساعدات بأن يدخلن الاقفاص للمطبخ وربتت على ذراع مديحة
"لا تقلقي أخبرت
عوض وعبد الجبار، اتفقت معهم وانتهى الأمر لا مشاكل بعد اليوم بخصوص هذا الشأن".
قبلتها مديحة كثيرا بحب
وشكرتها وبدأت بالتحدث للمنظمين لكن الجدة منعتها فعل أي شيء قبل الصعود للأعلى
وتناول طعامها وتبديل ثيابها، تأوهت مديحة منها بأن سوف تفسد حميتها كالعادة لكن
رد الجدة كان واحد منذ اليوم الأول التي التقت به مع مديحة قبل أكثر من عشر سنوات
"حميتك تلك
تتركينها بالعاصمة قبل مجيئك إلى هنا!".
ضحكت مديحة بشدة منها
وذهبت إلى حيث تنزل غالبا دون مساعدة، تابعتها توحة وهي تبتسم انتصرت عليها
وجعلتها تفعل ما تريد بالضبط لكن البسمة الشقية على وجه توحة انمحت بعد سماع صوت
أواني كثيره تسقط وعبد الجبار خرج يصرخ من المطبخ
"يا توحة هذا
الطعام لن يكفي الحضور تعال إلى هنا الآن!".
عضت شفتها بغيظ وضربت
بعكازها بالأرض بغلظة
"سوف تقصفون بعمر
توحة!".
***
حل الليل أخيرا بعد يوم
شاق مليء بالتحضيرات المنزل مضاء بأنوار مبهجة ورغم اقتراب وصول الحضور إلا أن
نزاعات حميدة لم تنتهي لكن ياسمين وكل العائلة تجاهلتها فقط يريدون الفرح.
لقد مكث الحزن كثيرا
بين طيات هذا المنزل والكل يريد الفرح بشدة.
هاتفت الجدة حفيدها
الغائب بقلب موجوع واطمأنت عليه
"سوف أتي إليك في
أقرب فرصة يا قلب جدتك".
"في انتظارك يا
جدة منذ الآن".
"أنتبه إلى نفسك
يا سميح أنتبه إلى نفسك يا حبيبي".
أغلقت الهاتف بقلب
موجوع، ركضت طول عمرها من أجل أولادها، في معظم المشوار كانت وحدها.
ظنت بسذاجة أن دورها
سوف ينتهي ما إن توصلهم إلى بر الأمان إما بالزواج أو أنهائهم التعليم.
لكن الدور لم ينتهي
أبدا فحتى الأحفاد أصبحت بشكل ما مسؤولة عنهم، قلقه عليهم على الدوام، تتمنى لو
تجمعهم كلهم بحضنها وغلق أجنحتها عليهم بداخل قلبها.
تعلم أن تلك الأمنية لا
معنى لها ما لم تصرعهم الحياة بعراكها وأشواكها لن ينجوا أبدا، عليهم بالمرور من
ذلك الممر الضيق الخانق لا محالة كي يصلوا إلى بر الأمان بالنهاية.
جلبت لها ورد الصندوق
خاصتها، ارتدت اساورها وعقدها الذهبي وأخرجت المكحلة النحاسية وتكحلت بها، لها
سنوات طوال لم تضع الكحل بعيونها لكن لا مناسبة لديها أعز من هذه.
توردت وجنتيها بالأحمر
نتيجة لضحكة شقية ونادت لورد التي رفضت وأخذت تلوح بيدها بلا لكنها أقسمت بأن
تقاطعها إن لم تستمع لها، فاستسلمت ورد على مضض بين يدي الجدة تضع لها الكحل الخاص
بها وتدب الحياة أخيرا بعيون ورد الذابلة على الدوام لسبب لا يعلمه أحد سوى
الجدة!.
***
يضرب بعصا لا يعلم
مصدرها تحديدا ولا يهتم لشيء سوى أنها تكمل الزي الذي يرتديه، جلباب أنيق وعمامة
لفها له عبد الجبار ويضع شال على أحد أكتافه ويضرب بالأرض متقمص للدور، أطرق
بالعصا على باب شقة ياسمين ومن ثم انزلها وتنحنح وكأنه العمدة رغم أن مدينتهم
الصغيرة لا يوجد لها عمدة!.
"O.M.G"
"تبدوا
رائع يا فتيات تعالوا أنظرن"
شهقت كيارا التي فتحت
الباب لعوض بسعادة لأنها رأت هذا الثوب الفلكلوري عليه وقد أحمرت وجنتيه من الحرج
خرجت ياسمين وخلفها رحمة فدار عوض حول نفسه بفخر ثم ضرب العصا بالأرض قائلا بغلظة
مفتعله
"الكبيرة تريدك
الآن بالأسفل".
ثانيه والأخرى
وبالثالثة انفجرت ياسمين ورحمة ومن بعدهم ورد بالضحك بشدة على عوض الذي انتفخت
فتحتي أنفة من غلظتهم معه.
"كل مرة أقول بها
سوف يتعلمن الادب ويرفعون من معنوياتي تفسدون الأمر ما خطبكن؟!".
خرجت باقي الفتيات من
منزل ياسمين وشهقن بفرحة بأنه يبدوا مميز جدا بهذه الثياب
"جبر الله
بخاطركن!".
وأشار لياسمين بأن تنزل
للأسفل لأن الاحتفال بدأ، خرجت سلفيا أخر فتاة من منزل ياسمين وأبدت أعجابها بثياب
عوض وهي تغلق باب المنزل فأخفي وجهه بحرج بالغ حالما ذهبت من أمامه وقد اشتعلت
وجنتيه بالحرارة.
نزلت ياسمين وقد بدأ
الاحتفال بالفعل وتعالت الزغاريد والضحكات والجميع يرحب بها ويبارك لها، بداخل
المنزل تجلس النساء والفتيات وبالخارج يجلس الرجال وإبراهيم يجلس هو الأخر فوق
حصان يرقص بمهارة وبعض من الالحان الشعبية والمزامير تضرب بقوة حاولت التصرف برصانة
مثلما أوصتها جدتها إلا أنها فور سماعها بأن عبد الجبار وإبراهيم يحتطبون معا ركضت
نحو النافذة الكبيرة بصالة المنزل تراقبهم بفرح وكل منهم يضرب بعصا الأخر دون فائز
إلى الآن.
لقد رأت تلك الحنة وهي صغيرة بأحد أعراس أقارب
توحة وتمنت مثلها بشدة، كل من سلفيا وكيارا يراقبون بانبهار ما يحدث مبهورين بشدة
من عائلة ياسمين التي تفرح من كل قلبها بزفاف ابنتهم معجبين من الترابط الاسري
الرائع الذي تنعم به وقد تفهموا أخيرا سبب رغبتها بالاستقرار بتلك البلدة الصغير
تاركة استراليا ومطعم ومنزل والدتها خلفها.
تضارب كل من فتحي وعوض
وصفقت الفتيات لهن بشدة ولم تتمالك ياسمين نفسها وخرجت إلى خارج المنزل بفستانها المطرز
الجميل ذهب أبراهيم لها على الفور يذكرها بما نبهها به يعلم تهورها جيدا لكنها احتالت
عليه بأنها تريد المشاهدة ليس إلا ووعدته بعدم الحراك من أمام باب المنزل بينما كل
من هاجر وتارا تولوا تصوير ما يحدث ونشرة على صفحة ياسمين.
وصل حميد وخلفه أبناء
أخواله وعائلة حميدة وزادت سعادة ياسمين بشدة به أوقفه عبد الجبار بنظرات جامدة
وألقى اليه عصى وتضارب معه صارخا به وسط الرجال
"لنرى إذا ما كنت
تستحق الفوز بزينة بنات الرحايمة؟".
تضارب الاثنان ورغم
غلظة عبد الجبار بالبداية إلا أنه تهاون معه بعد ذلك وفعل إبراهيم نفس الشيء معه
إلا انه كان أكثر غلظة من عبد الجبار ولم يفق لضرباته القوية التي يوجهها ناحية
حميد إلا بعد أن نادت ياسمين على حميد بقلق بأن ينبته
لكنتها الأجنبية أفاقته
من تفكيره وتهاون أخيرا مع حميد منهي الضرب بالعصا دون فائز لكنه فقط سلم على حميد
وشد على يده بقوة.
"أنتبه للغالية
أصبحت بأمانتك الآن".
أنتهى مزاح الشباب
وتفرغوا لاستقبال المهنئين، أما بالداخل فقد استولت نعمات بفخر على انتباه
الحاضرين خاصة أصدقاء ياسمين الأجانب، طعامها رائع, زوقها وإن كان مبهرج إلا انه
جذاب, تحسن الضيافة, لبقه ومقبله على الحياة بفرح وبشاشة، كل شيء عكس ورد الذابلة
عكس اسمها تماما.
همست كيارا لسلفيا بحسد
مضحك
"هل هناك شيء لا
تستطيع تلك المرأة فعله؟!".
كانت نعمات ترقص بمرح
بمهاره باللغة وكأنها أخذت دروس خاصة بالرقص الشرقي ترتدي فستان يحتضن منحنيات
جسدها السخية وشعرها العسلي الناعم يتدلى إلى منتصف ظهرها وتراقص ياسمين بمرح بالغ
وبمنتصف النساء تجلس والدتها بفخر تحمل أصغر أبناء نعمات رافعة رأسها بأن تلك
المرآه التي أنجبتها محط حسد وإعجاب نساء البلدة لا يوجد أحد لا يعلم من هي نعمات
وكم هي زوجة ماهرة وجميلة.
لقد أوذيت أبنتها بشدة
من قبل لكن من أذاها يبكي ويعض أصابع الندم!.
جذبت ياسمين يد مديحة
وتراقص الاثنان سوية كانت ليلة مبهجة ومرحة الحضور كان كثيرا.. محبين لتوحة وفضول
لتلك الأجنبية التي قررت الزواج بمدينتهم الصغيرة.
انتهت الليلة بحب
وسعادة وغناء توحة التي اشتهرت في صغرها بإحياء سبع ليال قبل الزفاف لكن الزمن
تغير وأصبح سريعا الآن كل شيء يحدث بين ليلة وضحاها!.
أخذت طبلتها وبدأت
بالغناء صحيح صوتها منهك كبير لكنه محب حنون ذو بحه جميلة أثرت الجميع
"على العجلة هاي
وشبكها ... هاي وأتكل على الله"
توقفت الموسيقي ولم
يتبق سوى صوت التصفيق والضحك ومتابعة توحة التي تشاهد ياسمين أثناء غنائها وضربها
لطبلتها الصغير بنغمة مكررة لكن جميلة.
بخارج المنزل بعد أن
أنفض معظم مجلس الرجال يقف كل من عبد الجبار وعوض أمام النافذة وجود فتيات أجانب
بالمنزل جعل بعض الصبية يحومون حول المكان وأخر شيء يريده الرجال أن يتلصصون على نسائهم
وهم يرقصون وقف عوض بجدية بالغة يتكئ إلى العصا خاصته ويراقب بعيون كالصقر المحيط.
ناظرة عبد الجبار
بسخافة للجدية البالغة التي يبدو عليها منذ أن ارتدى هذا الزي يظن نفسه العمدة أو
شخص ما مهم!، لم يعلم عبد الجبار بالتحديد ما الشخصية التي تقمصها لذا وبدون أي
مقدمات صفعه صفعة مؤلمه على مؤخرة عنقه قذفت بعوض عدة خطوات للأمام ولولا أستناده
على العصا لكان سقط أرضا!.
ثم بدأ بهز رأسه يمين
ويسار على صوت توحة، بينما عوض المسكين يسعل بشدة ويلهث يحاول لملمة روحة التي
تبعثرت إلى أشياء بعيدة ومتفرقة!.
عاد عوض وقد يأس من
السوال عن السبب حتى وذهبت الجدية عنه وبدأ بالرقص مع نفسه والتلويح بالعصا وغمغم
بفرح
"توحة متألقة
الليلة".
"بالطبع عرس
الغالية أبنها الغوال!".
توقف عوض الرقص ونظر
بجدية إلى عبد الجبار
"هل رأيت عمي
زهير؟".
ذهبت البسمة عن وجه عبد
الجبار ونظر أمامه وهز رأسه بصمت ثم التفت فجأة وصفع عوض مرة أخرى
"ذكرتني يا ابن
الكلب!".
"!!!!!".
****
ادعت انها تناولت حبه
مهدئة وذهبت للنوم باكرا فقط كي تتركها والدتها وحدها، تدثرت جيدا وفتحت الهاتف
بيد مهزوزة من الفزع.
شاهدت الصور ومقاطع الفيديو
التي تم نشرها من حفل الحنة بقلب موجوع، هزت رأسها بيأس لا أمل لها مطلقا أمام غريمه
مثل ياسمين لن ترى حميد مرة أخرى لن يعود، عليها بالذهاب ورؤيته عليها توديعه ما
أن تصل الساعة إلى السادسة حتى تخرج وتتسلل للخارج فقط لتودعه، لتودع الرجل الوحيد
الذي أحبته يوما ما... .
***
يتبع.....