ليس زوجي المعاق الجزء الثاني
(ماللك القلب)
الفصل الثاني عشر
(1)
شفتيه مقوستين للأسفل بغضب مقهور، وعيناي بدأت تعي حجم
الكارثة التي أقدمت عليها أخيرا رفعت يدي أعض عليها وتأسفت منه بأنين خافت.
"لم أقصد مضايقتك أقسم، كنت أمزح معك فقط!".
عضت شفتي السفلى منتظرة رده فعله لكنه كان لازال غاضب
مني وبشدة
"س س سوف أنام بالخارج.. لن أ أنام معك".
ضاع خجلي وأشتعل غضبي بشدة
وضعت كل من يداي بخصري
"لمَ هل تخشى على نفسك مني؟!".
تراجع للخلف بغضب وشفتيه مقوسه للأسفل
"أ أنتِ تفعلين.. أأشياء غير مؤدبه".
"أنا!!".
لطمت كل من وجنتاي ومططتهما بأصابعي هل رأى شيء غير مؤدب
بعد؟!.
تراجع للخلف بخوف ولكنني فقدت أعصابي بشدة أدمر وجهي
بسبب شيء حاد أخترق رأسي وصفير عالي أصابني بالصمم!.
" ج جميلة.. جميلة أسف كفي عن هذا!".
أتي وفك كل من يداي وحاولت ألا أصرخ بكل قوتي كي لا تستيقظ
الخالة زكية
كبت غضبي بأعجوبة وأنا أعض على أسناني
"إن لم تذهب للسرير في الحال سوف أقبلك يا مالك كي
تعلم ما هي قله الأدب".
تسمر مكانه مصعوق مني ومما تفوهت به للتو، فشددت على
الكلمات بغضب بالغ
"مِن فمك".
جحظت عيناه وضرب على فمه بقوة أشبه بالصفعة وركض للسرير
وتدثر من قمة رأسه حتى أخمص أصبعه.
ولولت بسري وأنا ألوح بيدي بسخرية في الهواء ولويت كل من
شفتاي بالهواء
"عوض عليا عوض الصابرين يا الله!".
***
أغمضت عيناي استمتع بلمساتها الحانية الرقيقة، كنت أحلق
حرفيا بين السحاب أجلس على الأرض والخالة زكية على الأريكة تمشط لي شعري بعد أن
صنعت قناع مرطب له، لم أستطع النوم أبدا فمالك وضع وسادة طويلة بالمنتصف بيننا ومن
ثم وضع فوقها وسادة أخرى.
وقد أرقني خط بارليف المنيع هذا!، طوال الليل ناهيك عن
سماعي لأرق مالك هو الأخر لكنني لم أتنازل عن عنادي معه أبد، أرق مالك وشعوري
بالخيبة لتذكري وضعي هذا الذي لا مفر منه فمالك على ما يبدو لا ينوي أن يكون زوج
لي في يوم من الأيام ويؤمن تمام الإيمان بأننا أصدقاء أو شركاء بالسكن ليس إلا.
خرجت في الصباح الباكر كي أشرب كوب من الحليب الساخن
وأجد حبه للصداع علني أستطيع النوم ولو لساعتين لكنني وجدت الخالة زكية تقرأ
القرآن الكريم بالصالة.
صدقت ونظرت لي وخجلت من شعري الأشعث كثيرا وحاولت
لملمته، لقد أصيب بالجفاف من كثرة استخدام الحرارة الفترة الماضية.
"تعالي بنيتي".
ذهبت لها وقبلت يدها وربتت على شعري ومن ثم ابتسمت لي
"تعالي معي".
وضعت بضع من
حبات القرنفل على النار ومن ثم سكبت عدة ملاعق من الزبد الطبيعي التي أتت به من
البلد كهدية لنا، ومن ثم دلكت به شعري خصلة تلو الأخرى ولففته بالقبعة الحرارية لنصف
ساعة ثم غسلته
وها هي تمشط لي شعري وتسلكه وقد صنعت لي ضفيرتين سميكتين
رائعتين.
ابتسمت بشدة وركضت للمرآة
"أنها رائعة خالتي".
ابتسمت لي بطيبة
"تليق بوجهك كثيرا".
عدت لها مرة أخرى كي تنهي تضفير الضفيرة الثانية وأستيقظ
مالك يفرك وجهه بقوة وقد اتسعت عيناه عندما رآني أجلس أسفل الخالة زكية
"أنظر يا مالك ما رأيك بزوجتك الآن؟، أليست
رائعة؟!".
تفكك العبوس بوجه مالك وابتسم لنا وهز رأسه
كنت سعيدة للغاية جلست على ركبتاي وقبلت وجنتها بحب
"سوف أعد لكم أطيب فطور".
ذهبت وعيون مالك تتبعني وهمس هو بعد ذهابي
"لطالما كانت الضفائر رائعة عليك جميلة".
"تعال يا ولدي أجلس إلى جواري".
ذهب مالك وجلس إلى جوارها مسحت على وجهه بكفها بحب بالغ
"كيف حالك يا نور عيوني".
هز رأسه مع ابتسامه تخص الخالة وحدها
"ب خ خير".
"سلمت لي من كل شر يا أبن الغالية، هل أنت سعيد يا
مالك مع زوجتك؟".
زاغت عين مالك يمين ويسار ولعنت عدة أشياء بسري وأنا
أحضر الفطور، لم يكن علي التحرش به البارحة لو أخبرها ما الذي سوف تظنه الخالة
بي؟!.
"أجل".
تنفست الصعداء وقليت البيض في الزبد التي أتت به الخالة
مسحت على وجنته بحب
"لا تحزنها يا بني ولا تعيد أخطاء الماضي هل فهمت
قصدي يا مالك؟".
بدا مرتبك لكنه هز رأسه على أي حال، جذبت رأسه وقبلت جبينه
ونام مالك على حجرها
"أ أرقيني خالتي".
مسحت على رأسه وظهره وبدأت ترقية وكنت أنا انتهيت من الفطور
وأغلي من الغيظ بعد الفطور سوف أجعلها ترقيني مرة أخرى!.
صحت بهم
"الفطور خالتي".
فزع مالك وأتت الخالة على عكازها وتمتمت بغضب مصطنع لها
"سامحك الله يا خاله، ترقينه أفضل مني لأنه أبن أختك
وأنا لا أحد لي هنا". ولوحت بيدي في حركة تدل على إهمالها لي
"وأنا قمتي بقراءة آيتين على ولم تهتمي لي، شكرا يا
خالة.. شكرا!".
ضحكت علي
"يا فتاة لقد نمت على ركبتي، إذا ما أردت الرقية
فقط أخبريني".
فهززت رأسي لها
بسرعة.
كانت الطاولة ممتلئة بخير الضيافة والهدايا التي أحضرتها
الخالة البارحة وأرسلت لي قمر رسالة نصية
"كيف الحال لديك؟ أصاباني الغثيان الليلة الماضية ولم
أستطع أن أحدثك!".
راسلتها
"بأفضل حال".
"جيد.. أطلبي البيتزا للخالة تحبها كثيرا".
أرتفع حاجبي حقا بيتزا.. وأنا التي كنت أنوي إعداد
المحشو وأصناف وألوان من الطعام!، لكن لن أطلبها سوف أعدها أنا للخالة.
نزل مالك إلى عمله وودعته على الباب وقبلته على وجنته
وقد غزت الحرارة وجنته سريعا لكنني لم أهتم له، عليه بالخروج من قوقعته السوداء
تلك!.
***
أخرجت أدوات التصوير وإن كان لمكوثي هنا حسنات أخرى بالإضافة
إلى السلام النفسي هو أن الجو المتاح للعمل رائع، فلا أي مسؤوليات لدي سوى منزلي
فقط ولا شيء أخر لا منزل إلينا ومنزل والدي وطلبات كل منهم وطلبات إلينا التي لا تنتهي
والدراسة والتمرين للأولاد كان لدي وقت هائل كي أعمل بحرية تامة، وإبداع خالص حتى
أن عدد المشتركين زاد خمسه ألاف مشترك بالشهرين الماضيين وكنت ممتنة كثيرة لهذا
الرقم.
انمحت البسمة من وجهي سريعا وصراخ أبي يزداد في أذني
"حتى هذا الشيء التافه السخيف فشلتي به، أمثالك من
الفاشلين على الانترنت أشتروا سيارات وعقارات وأصبحوا من أثرياء البلد وأنت لك
سنوات بذلك الفشل ولم يتجاوز راتبك بضع مئات من الدولارات، لن تفلحي أبدا بأي
شيء".
سقط الحامل أرضا وعدت للواقع على نظرات الخالة القلقة
"آسفة سوف أعد لك البيتزا ما رأيك؟!".
أحمرت وجنتيها وتكورت بابتسامة طفولية خجول للغاية لم
أرها من قبل فالخالة تملك وجه جاد جدا.
"حقا!، أحبها للغاية وكلما أتيت تحضرها لي قمر من
المطعم، لا تتعبي نفسك".
تحولت الخالة إلى طفل سعيد للغاية لمعرفته بالذهاب لشراء
المثلجات وعجبت لهذا التحول!.
أصرت الخالة على شرائها من الخارج مثلما تفعل قمر وفي
النهاية أعربت بطفولية بأن البيتزا المنزلية ليست بنفس الطعم الخاص بمطاعم البيتزا
أبدا وهي تحب الخاصة بالمطاعم.
تنحنحت وأخبرت الخالة بأنني طباخة محترفة
"لقد أخذت دروس من معلمين إيطاليين خالتي وأنا أعد
البيتزا بطريقة احترافية للغاية".
سألت بانبهار
"هل سافرت إيطاليا؟!".
"لا لكنني حضرت الدروس عبر الانترنت".
ارتسمت الخيبة على وجه الخالة زكية، فقررت أن أفصح لها
عن سري
"سوف أخبرك بأمر لكن لا تخبري أحد أرجوك".
فتحت الهاتف وأريت الخالة القناة خاصتي وقد انبهرت تماما
بها
"أنت مشهورة إذا؟!".
سألت بانبهار وقد أسعدني هذا كثيرا فلا أحد يعلم حرفيا ما
أفعله الكل يظنني عاله على عائلتي
صوت صراخ أبي وإلينا تردد في أذني
"تريد فضحنا يا أبي مثل أولائك المتخلفين الذين
ينشرون كل شيء عن حياتهم بالإنترنت".
وأشارت إلى نفسها بعصبية بالغة
"ألم تفكري ولو للحظة في مركزي الخاص بالجامعة؟،
لقد أوشكت على نيل الدكتوراه وأختي المحترمة تريد أن تصبح طباخة!".
كنت أبكي بشدة وقتها كانت تلك جريمتي الكبرى بعد طلاقي
من كامل بأكثر من سبعة أشهر وبعد أن حاول أحد الموظفين لدى مهند التحرش بي أقسمت
على ألا أخرج للعمل بالخارج مرة أخرى خاصة أن الجو العام للشركة كان سام للغاية،
لم أكن حتى أستطيع التنفس وأنا بذلك المكان.
كان أبي أخذ مستحقاتي بعد الطلاق المادية لكن شبكتي من
كامل كانت معي إسواره وخاتم زواج ومحبس، قمت ببيعها واشتريت الكاميرا وأجهزة التصوير
وموقد صغير بعد أن بحثت بكل طاقتي في الشبكة العنكبوتية كي أتعلم هذه المهنة باحترافية،
وبمنتهى السذاجة عدت للمنزل فرحة أريد مشاركتهم الخبر السعيد، ظننت أن هذا سوف
يسعدهم ويكف أبي عن نعتي بالفاشلة أو بالعالة
كي أخرج من المنزل لم أشأ بأن أخبرة بأنني في العالم الخارجي أصبحت مطلقة،
والعالم حقا أصبح غابة موحشة أكثر من السابق .. أكثر من السابق بكثير.
صراخ أبي الحاد ألجمني لي أشهر أحلم ليل نهار بهذه
الوظيفة وقد أمتلئ دفتري عن آخره بالأفكار التي أريد تنفيذها وبعد مجهود شاق من
عصر ذهني بكيفية شراء الأدوات والمعدات دون طلب المال من مهند تشجعت أخيرا كي أبيع
ذهب كامل وأتخلص من الأشياء البسيطة التي تخصه لدي.
جلست أبكي وأنتحب أمامهم بكل قوة القهر الموجود بداخلي على
ضياع حلمي مهما كان بسيط.
ضربت أمي فخذيها بقوة
"ألم تحسبي مهند ومكانته الاجتماعية أمام عائلة
زوجته لمَ تصرين على فضحنا بهذا الشكل؟".
"أقسم أمي أني لم أقصد هذا أبدا، لم أكن حتى أنوي
الظهور بوجهي في القناة".
صرخت إلينا
"حتى لو بصوتك فقط سوف يتعرف عليك أقاربنا يوما،
ولا يمكن لآسر أو عائلته بمعرفة ذلك أبدا سوف أموت من الخزي أمامهم!".
تدخل مهند بعد أن هاتفة أبي ليرى الكارثة التي حلت على رؤوسهم
ليدلف ويجدني محصورة بالزاوية مبللة من العرق والدموع والمهانة والثلاثة يقفون
أمامي يصرخون بكل قوتهم.
"ما ذا هناك أبي فقط أهدءا قليلا!!".
قص عليه والدي صارخا ما أريد بمنتهى الاحتقار، أغمض مهند
عيونه بإحباط ودلك أعلى أنفه بتعب بالغ، وتمتم بتردد
"جميلة الأمر فقط أنه لا يناسب وضعنا حاليا سوف أجد
لك وظيفة أخرى تناسبك أعدك بهذا".
خذلان بالغ هذا ما نظرت به لمهند وأشاح هو بوجهه في
الناحية الأخرى بنظرة، لا يجرأ على النظر لي زمجر أبي بي
"من أين لك بالمال يا هانم؟".
من بين شهقاتي تحدثت بصعوبة
"بعت شبكتي".
ضرب كفيه بقوة كبيرة وأشار لمهند
"هذه هي من تلومني لأنني لا أعطيها مال يا حضرة المهندس
لأنها بليدة عقل أنظر إلى ما فعلته بذهبها؟ هذه الوظيفة حجة كي تلتهم المزيد من
الطعام ليس إلا، أنها لا تفكر بشيء آخر على الإطلاق .. لا شيء سوى الطعام.. لقد
تركك زوجك لأنك أصبحت بحجم الدب، ولكن أنت لا شعور لديك, لا دم, لا إحساس, لا طموح،
لا شيء على الإطلاق".
قال جملته الأخيرة صارخا بي ولطم كيس المشتريات الذي كنت
أضمه بقوة، تدحرجت العدسة الخاصة بالكاميرا الجديدة وشهقت ورائها لأجد أن زجاجها
أنشرخ ضممتها لي بقوة ولملمت باقي الأغراض من الأرض وركضت لغرفتي تاركه إياهم
يصرخون كيفما شاءوا، وضعت الأغراض بخيبة أمل على السرير وقلبي مفطور حرفيا، لم أرد
الكثير لكنهم خذلوني لم أتوقع هذا .. لم أتوقع هذا أبدا!.
غفوت لكثرة بكائي لأجد الساعة الثانية صباحا والبيت لا
صوت به على الإطلاق، خرجت ومعي الأغراض وتأكدت من أن كل من أبي وأمي نائمون واستخدمت
كل شيء وأخرجته من العلب فأبي صرخ بأنني سوف أعيد كل شيء بالغد وأتي له بالمال.
لن يستطيع إعادة شيء مستخدم!.
أنهيت الوصفة البسيطة وتصويرها بمدة ساعة لم يكن الغرض
منها سوى استخدام كل الأشياء التي اشتريتها ليس إلا، عدت لغرفتي أتحسر على الوظيفة
التي حلمت بها لكن طرأ شيء بعقلي وهاتفت مهند على الفور.
"لن أخرج صوت".
همست له أتوسل بصوت مبحوح
"جميلة سوف أجد لك وظيفة صدقيني، ما رأيك بمعلمة
للغة الانجليزية بمدرسة خاصة؟".
المزيد من التنمر والسموم
"لن أخرج صوت، لن يعلم أحد من أنا أبدا، أرجوك
مهند".
صوت بكائي وشهقاتي المتتالية جعل مهند يرأف بحالي وأقنع
أبي وأمي بعد الكثير من العناء وبأن هذه الوظيفة من الممكن أن تجعل مني ثرية
للغاية أو حتى مذيعة بالتلفاز، مما جعل أبي يرضخ أخيرا للأمر، لكن بشروط.
أسم مستعار
دون صوت
ودون أخبار أي مخلوق بما أفعله حتى كل من كارمن وآسر لن
يعلم أحد أبدا.
ووافقت أنا على شروطهم المجحفة لكنني لم أصبح ثرية أو
مشهورة، فبعد عمل دام لأكثر من ست سنوات لم يتعدى عدد مشتركين القناة الأربعمائة
ألف.
ولا لم أصبح ثرية فراتبي بالكاد يغطي نفقاتي فأقصى راتب
حصلت عليه كان ستمائة دولار لكنه لم يحدث سوى شهر واحد فقط.
***
تلمست الشرخ الموجود بالعدسة صحيح أن العدسة أصيبت بشرخ
إلا أنها كانت تعمل لحسن حظي ومن يومها وأن أصور بها.
أفقت على سؤال الخالة بعد ما شرحت لها ما أفعلة
"هل سوف تصورين الآن؟".
"إن لم يضايقك هذا؟".
"بالطبع حبيبتي هذا منزلك وهذا عملك هيا أذهبي
ودعيني أرى ما هي جوده طعامك يا فتاة!".
حضرت البيتزا أمام الخالة التي كانت تراقبني أثناء
جلوسها على الأريكة ولم تشح بنظرها عني وكنت أنا سعيدة للغاية باهتمامها هذا.
أتى والد مالك ودلف باحترام يحي الخالة زكية التي لم تكن
راضية عنه ولو لوهلة، ثم رحل والخزي يملئ نظراته.
التفتت لي الخالة زكية وسألت بحدة
"ما الذي تفعله معك هذه المرآة؟!".
طبعا الخالة زكية حادة الذكاء كفاية لتعلم مدى سوء تلك
السيدة
"حاولت ممارسة دور الحماة علي كي أعد لها الطعام
وبعض الخدمات ولكنني أوقفتها عند حدها".
ضربت الخالة بعكازها على الأرض بغضب بالغ وهمت بالوقوف
والذهاب لتوبيخها ولكنني أجلستها بسرعة
"لا تقلقي لقد أخذت بحقي كله ولم أدعها تمارس دور
لم تلعبه، تريد أن تمارس دور أم الزوج كان عليها من البداية لعب دور الأم".
ابتسمت الخالة زكية وهزت رأسها باستحسان بالغ لي
"لقد أعجبت بكِ أكثر يا جميلة".
ابتسمت لها ببلاهة وتمتمت غير مصدقة
"حقا!!"
"بالطبع، أحب المرآة القوية ذات البأس التي تواجه
لا تلك المتخاذلة التي تضيع حقوقها".
شعرت بالفخر البالغ لذلك الوسام الذي علقته الخالة على
كتفي ودفعتني السعادة لإعداد أشهى بيتزا نابولي وببيرون ومشروم وخضروات للخالة.
وقد أعددت بيتزا عادية وأخرى صحية لأن الخالة لديها
السكري، النظرة على وجهها هي ومالك كانت رائعة وتلذذت الخالة بها بشدة.
"لم أتوقع أن تكون أشهى من تلك المصنعة في
المطاعم!".
"لأنني أضع الكثير من الجبن دون بخل المطاعم".
ضحكت الخالة بشدة على وقضينا وقت رائع وباليوم الذي يليه
عزمنا سمير على الغداء.
***
كان يوم جمعة وأتى مالك بعد صلاة الظهر ومعه حلوى
وعربتان من الخشب صنعهم بنفسه لأبناء أخيه، رحب بنا كل من قمر وسمير كثيرا وبدا أن
الخالة لا زالت غير راضية عن حمل قمر لكنها كانت تدعوا لها طوال الوقت كي تضع المولود
بسلام ويهديها الله لزوجها ولأولادها.
المنزل كان دافئ للغاية، وأولاد سمير وقمر مهذبين ولبقين
في احترام الخالة زكية وحنونين لأقصى درجة يحبون عمهم ويحبون اللعب معه، أتى كل من
الصغيرين بعدة العاب لمالك
"عمي لقد انكسرت هذه الألعاب هلا ساعدتنا؟".
بدا الحبور الشديد على وجه مالك لمساعدة أبناء أخيه وجلب
سمير العدة له وبدأ مالك في إصلاح الألعاب وأولاد أخيه يراقبوه باهتمام، أخبرته
قمر بأن هناك رف بالمطبخ يحتاج إلى تصليح وكذلك سمير نادي علية ليصلح شيء ما له
بالمكتب كانت أشياء بسيطة للغاية يمكن لسمير إصلاحها بكل سهولة لكن أحب كل منهم
بأن يشعروا مالك بالأهمية وبأنه مفيد لهم خاصة أنهم أثنوا عليه كثيرا.
وكنت ممتنة لأنهم يحاولون إسعاد مالك بأي شكل، سألت
الخالة زكية بخيبة أمل عن أخيهم أمير إلا أن سمير تنحنح
"أضطر للسفر خالتي ولم يستطع الحضور ويعتذر
منك".
"هل تاه عنه رقم هاتفي مثلما تاه عنه عنوان منزلي
يا أبن بهيرة، هداه الله!".
وضربت العكاز عدة مرات بغير رضا.
تناولنا الطعام وساعدت قمر التي تلهث من أقل مجهود وبدا
الغضب الشديد عليها والعرق ينضح منها ورغم ذلك لم تقلل من احترامها لأي منا، شعرت
بالذنب الشديد وربت على ظهرها أثناء إعادة الأطباق.
"آسفة لم يكن عليك بذل هذا المجهود، كان على
الاهتمام بتلك العزيمة".
أرجعت بضع شعرات التصقت على جبينها من العرق بظهر يدها
"لا تكوني سخيفة جميلة إنها مجرد أسماك لم أفعل شيء
يذكر كما وأنني تأخرت كثيرا بعزيمتك أنت ومالك للمباركة لكما".
التوت شفتاي بحسرة
"على ماذا؟!".
لكن ولله الحمد احتفظت بتعليقي الوقح لنفسي!
كان تنفسها عال وكأنها توشك على البكاء ونظرت لي ثم
تمسكت بالرخام أمامها وأجهشت في البكاء فعلا!.
ربت على ظهرها مرة أخرى وشجعتها أن تتحدث معي
"آسفة حقا لكن الحمل لدي يكون ملامس للعصب ويجعلني
عصبية للغاية وأتشاجر لأتفه الأسباب وأضغط على سمير والأولاد، أقسم أن الأمر ليس
بيدي، أخبرني الطبيب بأنها حالة مرضية ليست شائعة جدا، لقد انفصلت عن سمير مرتان
مرة بالحمل الأول، ولم أكن أعلم حينها أن الحمل هو ما يجعلني بهذا الشكل والمرة
الثانية لم يحتمل أي منا الأخر، وقد شخصني الطبيب وقتها بالحالة، وهذه المرة سمير
يتفهمني كثيرا لكنني أنا من أريد الصراخ وتحطيم الأشياء طوال الوقت".
وتتالت شهقاتها بشدة
"الأولاد باتوا يخافون مني ويذهبون لوالدتي معظم
الوقت وكذلك سمير أصبح يتجنبني بشدة وأنا أحاول أن أكون أهدأ لكن كل ذلك يضغط على
بشدة وأشعر أنني على وشك الانفجار".
كانت قمر على وشك الصراخ ووجهه محمر وهناك عرق بارز
بجبينها ينبض بقوة وغضب والعرق يتصبب منها، أنها لا تدعي.. هناك حتما خطب ما بها.
لم أجرأ على اقتراح طبيب نفسي لها كل ما استطعت تقديمه
لها في هذا الوقت عناق.
عناق دافئ محب للزوجة والأم التي تحاول بكل مقدورها
التحكم في غضبها الناتج عن حالة مرضية تصيبها أثناء الحمل وتجعلها تفقد السيطرة
على حياتها بهذا الشكل.
بكت قمر بشدة على كتفي ورغم أننا لسنا أصدقاء مقربين إلا
أن المرات التي التقينا بها كنا على وفاق تام.
***
عض شفتيه بغيظ
"عفوا مدام جميلة.. لمَ شعرت بالحرج من أخبارها
بأنها تحتاج إلى طبيب نفسي؟، تلك الحالة شائعة بين بعض الحوامل وأحيانا تمتد إلى
ما بعد الوضع "اكتئاب ما بعد الولادة" وتلك الحالات لا يمكن الاستخفاف
بها إذا ربما تؤدي للانتحار".
رفعت شفتها العليا بسخرية واضحة منه
"أنظروا من تذكر أخيرا أنه طبيب نفسي!، بالطبع لن أجرأ
على أخبارها بذلك كي لا أتلقى صفعه على وجهي، هل تعلم ما الذي كنت سوف أفعله بأي
أحد يخبرني بأن علي الذهاب إلى طبيب نفسي، حذائي هو من كان سوف يعبر عن رأي.. هل
فهمت؟".
كانت تزمجر به بغضب بالغ وعاد هو للخلف بدهشة
"لمَ ما الخطب بالطبيب النفسي الذي يستدعي كل هذا
العنف منك؟!".
"لأنكم شؤم.. والذهاب لك يعني أن هناك اختلال واضح
بنا".
زمجر هو الآخر بها
"هل أنتِ مختلة لهذا أنت هنا؟!".
تذمرت من غباءه
"بالطبع مختلة لمجيئي إليك، هل هناك إنسان عاقل
يذهب بكل قواه العقلية لإفشاء أسراره لأحد ما غريب عليه؟، ناهيك أن هذا الغريب هو
أنت... بالطبع بي اختلال!".
وضع كفيه بحدة على وجهه حتى أصدر صوت أقرب إلى اللطمة
وتمتم دون أن يزيحهم
"أكملي مدام جميلة".
***
بعد مدة وبعد أن بدأت قمر بالهدوء بعد موجه حارة من
البكاء أبعدتها عني بمرح
"ما رأيك أن نخبر الخالة زكية بأن تقوم
برقيتك؟".
تتالت شهقاتها وهي تفرك عيونها كالأطفال وهزت رأسها وهي
تتمتم
"تلك الرقية تنجح كل مرة".
ضحكنا معا والتفت إلى الحوض الخاص بالأطباق الملم بقيتهم
"كل شيء سوف يصبح على ما يرام تأكدي من هذا لم
يتبقي سوى عدة أشهر وتنتهي من ذلك الغضب عليك فقط بشغل نفسك بأمر ما".
وأنارت فكرة برأسي
"ماذا عن الحياكة بالخيوط الصوفية؟، أنها رائعة
لتهدئة الأعصاب وتصنعين أغراض الصغير بالمرة فائدتان لا واحدة!".
غضبت بشدة وصححت لي الكلام
"الصغيرة.. الصغيرة.. يكفيني رجال بحياتي إن رأيت
فانلة حملات بيضاء زيادة أمامي سوف أموت قهرا، أريد فتاة أسرح لها شعرها وتملئ
يومي بالألوان".
وانفجرت بالبكاء من جديد، تركت ما بيدي مصدومة وأخذتها
من ذرعها إلى الخالة زكية
" أرقيها الآن يا خالة الأمر لا يمكننا
تأجيله!".
***
عدنا بعد أن اتفقت مع قمر على تعليمها الحياكة لصنع ملابس
الصغيرة بعد عدة أسابيع حتى يكون تبين طبيبها نوع الجنين، وقضينا عدة أيام رائعة
مع الخالة زكية حتى أننا أخذناها للنزهة ولكنها أصرت على الرحيل ولم أستطع ليلة
سفرها أن أمسك بدموعي أبدا من كثرة البكاء وأنا أعد لها حقيبة سفرها.
"تعالي إلى هنا يا جميلة".
ذهبت لها أبتلع بكائي وتتالى شهقاتي
"أبقي عدة أيام يا خالتي بعد أرجوك".
مسحت دموعي وربتت على وجنتي
"لا أحب أن أتدخل بحياة أحد، على كل إنسان تسير
حياته وتحمل نتيجة قراراته بنفسه، لكن يصعب علي ترك فتاة طيبة القلب مثلك أن تقع
بإثم عظيم وتحمل تلك الأوزار على كتفها".
جف حلقي تماما وتلعثمت بشدة أسوء من تلعثم مالك
"أ أثم!.. أ أي أثم يا خالة؟!".
وَضعت كفي بين راحتيها الطيبتين
"طوال فترة وجودي هنا لم أراك اطمأننت على والدتك
أو والدك أو أي من أخوتك، ألا تعلمين عقاب قطع صلة الرحم عند الله؟".
أغلقت عيوني بإرهاق بالغ وحاولت جلب أي صوت لحنجرتي
"الأمر.. فقط معقد قليلا بيننا".
ربتت على يدي مرة أخرى
"مهما كان الخلاف الواقع بينكم لقد أمرك الله بالبر
بوالديك مهما فعلوا، حتى لو كانوا غير مسلمين مؤمنين فهل يجوز هجرك لهم بهذا الشكل
جميلة؟".
تساقطت الدموع من عيني وهززت رأسي نافية لها
"بارك الله فيكِ يا بنيتي، استغفري لذنبك وتوبي
عنه، وقبلي يد كل من والدك ووالدتك يا بنيتي، عسى أن يرضى عنك الله لبرهم".
مسحت دموعي وابتلعت شهقاتي
"حاضر خالة زكية".
ضمت شفتيها المجعدة بحرج
"اعذريني يا ابنتي ولكني أسأل من قلقي عليك فقط، هل
أنت بخير؟ هل صحتك بخير؟".
ربت على كفها أطمئنها
"أجل خالتي بألف خير".
وضعت يدها على قلبها وتنفست بارتياح
"حمد لله لقد قلقت عليك بشدة، لاحظت أنك لا
تتناولين من طعامنا أبدا وتأكلين طعام المرضى فخشيت أن تكوني مريضة".
كتمت ضحكتي فالطعام الصحي بالنسبة للخالة طعام المرضى!
"كل ما هنالك أن جسدي يسمن بسرعة كبيرة ولا أحرق
الدهون بمعدل طبيعي لذلك أتناول طعام صحي دائما وإلا أصبحت سمينه للغاية".
نظرت لي باستنكار بالغ ولوحت بيدها بأن هذا هراء
"دعي من عقلك هذه الوساوس، فبعض الرجال لا يحبون
سوى المرأة السمينة، هل سألت مالك؟".
زاغت نظراتي ونفيت برأسي دون صوت
"هل رأيتِ أختي بهيرة من قبل؟".