حكايات بيت الرحايمة
الحكاية الرابعة عشر
(حكاية توحة)
(2)
"مراد
الذي أحرقه الشوق يا فتحية، جلال ليس برجل من يترك فاتنه مثلك وحدها بالبلدة ليس
رجل!".
قاومته بشراسة تعضه
وتخمشه وصرخت ولم تخشى شيء، أخرج سكين وأقسم لها بغل
"سوف أقتل أبنائك
إن لم تسلمي لي يا فتحية، أنا أريدك بدلا من ذلك الذي تركك وحدك تنهشك الكلاب،
يضحك عليك بإرساله فتات لا يذكر عبد الوهاب يعمل معه بنفس المينا والده بنى منزل
ضخم وأشترى بدلا من الفدان عشرة، يخبرني بأن زوجك يصرف نقوده على النساء".
"شرفي أغلى منك
ومن السم الذي تبخه يا أبن الكلب!".
صرخت حتى أستيقظ أبنائها بكوا بشدة فصرخت بهم
بقوة
"أضربوه!".
هجموا عليه وهو يلوح
بالسكين وهي تصرخ به، أمسك بعبد السميع ووضع السكين على رقبته وهو يلهث بشدة ويصرخ
بها
"استسلمي وإلا
قتلته يا فتحية".
صرخت به بقوة رجته
"من خلقة يحميه
ولن يغادر هذه الدنيا وهو ناقص لنفس، خسئت أنت وشيطانك".
القوة التي ردت بها
عليه رجته وزلزلت كيانه، وهي الأخرى الآن فقط أدركت معنى نظراته التي تلاحقها كلما
ذهبت للبقال الخاص بالبلدة.
إجابتها أغاظته وجعلته
يرمي الصغير أرضا إلا أن الصغار صرخوا وألقوا عليه الأغراض ونجحت فتحيه أخيرا
بتكسير الانية الفخارية الخاصة بالشرب وكسرها فوق رأسه سالت الدماء منه وفقد وعيه فانهالت
بالضرب عليه بقوة بالغة هي وأطفالها بكت نسيمة بشدة وكذلك الصغار تركتهم فتحية يضربوه
كيفما شاءوا وصرخت على نسيمة
"أشعلي الفرن".
"ماذا؟!".
"الآن!".
ذهبت الصغيرة بيد
مرتعشة تشعل الفرن وضعت فتحية العصا الحديدة التي تجر بها الخبز داخل النار وقامت
بتكبيله بقوة بالحبال وأخبرت عبد العظيم بأن يأتي بجوال.
ما إن أصبحت العصا
الحديدة بلون الجمر حتى صرخت على نسيمة بأن تأخذ أخوتها وتخرج الحمار خاصتهم
للخارج.
إذا ما تركته ربما يعود
لينتقم منها أو يطلق عليها كلام سيء، ومدينتهم صغيرة سوف يمقتها الناس ويصاب
أولادها بالعار أمد الضهر والله وحدة يعلم بأنها بريئة لا هم لها سوى رعاية بيتها
وأولادها.
غمغمت بقهر والدموع
تتساقط من عيونها واحدة تلو الأخرى
"يجب ألا أدفع
الثمن أنا وأبنائي ومنذ اليوم لن يصبح لك قيمة في وسط الرجال".
كتمت نسيمة بالخارج
أذنها بقوة هي والصغار للصراخ الناتج عن مراد الذي كوته فتحية بالنار!.
*
"يا شيخنا!".
تلفت الرجال بغرابة
بالغه فيما بينهم، من عساها تنادي الشيخ بهذا الصوت في صلاة الفجر!.
تعوذ شيخ الجامع وخرج
سريعا وما إن لمحها حتى عرفها على الفور التراب يملأ ملابسها وإحدى ضفائرها مفككه
والأخرى ليست مرتبه كعادتها وثيابها هي الأخرى مغبرة بشدة!.
التفت إلى أولادها
خلفها هيئتهم مثل والدتهم، حتى نسيمة التي يتحدث أهل البلدة عن جمالها ونظافتها ضفائرها
وملابسها مشعثه ومغبرة تركب الحمار وإلى جواراها عبد السميع الصغير وجميعهم بلا
استثناء تحفر الدموع خطين بوجوههم!.
سألها بجزع بالغ
"ما بك يا
فتحية؟".
رفعت رأسها بشموخ
"هذا الكلب قفز
فوق سور بيتي وأراد انتهاك حرمه يا سيدنا وأنا وأولادي أدبناه".
تجمع الرجال ينظرون
بغرابة يقيمون فتحية وأولادها من أعلى لأسفل ثم كشفوا الجوال عن الشخص المسحول
بالحمار ليشهقوا ويرجعوا للخلف سريعا.
ما فعلته به توحه واضح
للعيان لقد دمرته تماما بما لا يقبل الشك.
ذهل الشيخ منها
"يا فتحية، ما
الذي فعلته عائلته لن تسكت؟!".
خرج حميد كبير عائلته
ونظر لمراد الملقي على الأرض يبكي ويتوسل ويدعي أن فتحية هي من أغوته!.
رفصه بقدمة لقد سمعه وشاهده
منذ مدة يتحدث عنها وراقب كيف ينظر لها أكثر من مرة، ولكنه أبدا لم يرى فتحية تنظر
ناحيته حتى!.
"طالما هي من
أغوتك لمَ أحرقتك؟!".
بكى وتلوي ولم يعلم كيف
يجيب!.
ذهب نحو نسيمة الصغيرة
التي تبكي وترتعش
"أين تنام أمك يا
نسيمة كل ليلة؟".
"م معنا
بفرشتنا".
"وما الذي حدث
الليلة؟".
"ن نامت أمي معنا
و و سمعنها تصرخ بنا بأن نستيقظ ونضربه".
زمجرت فتحية التي تنتفض
"أقسم على كتاب
الله بأن هذا الكلب لم يمس شعرة مني ولم أره يوما من قبل لا ببيتي ولا خارجة، وإن
أرادت عائلته الثأر سوف أذهب إلى المركز ليسجن أبنهم وهذا جزاء من تسول له نفسه بالتعدي
على وعلى حرمة بيتي وأولادي".
أشار حميد بيده نحو
الصغيرة واقسم بقوة
"الصغيرة وأمها
تفوهوا بالحق وأقسم إذا ما أتى أحد على ذكر فتحية أو شرفها بهذه البلدة يوما ما
لأقتص منه شخصيا، عودي يا فتحية لبيتك ولا تخشي شيء أنا من سوف يذهب لعائلة هذا
الكلب مقطوع النسل".
عادت أبيه مرفوعة الرأس
ورجال البلدة يضربون كفوفهم، كيف تمكنت من فعلها وتهامس البعض بأن زوجها سوف
يطلقها فزمجر حميد بهم
"من يترك زوجته
وحدها للكلاب لا يلوم إلا نفسه!".
نظر حميد في أثرها
وأقسم سرا بأنه لو فعلها زوجها وطلقها لتزوجها وتكفل بأبنائها وأقام لها عرس لم
يمر يوما ما على البلدة، فهي منذ أن رآها لأول مرة أبيه شريفة عفيفة ولا تتبسط مثل
مثيلاتها في الجمال، فكانت خير من رأت عيناه من النساء.
*
ما إن دلفت إلى منزلها
حتى دثرت أولادها جيدا وما إن خلدوا إلى النوم حتى سمحت لجسدها ودموعها بالانهيار،
ارتعشت بشدة تبكي وتنحب لمَ تركها جلال وحدها وجعلها لقمة سائغة للأوغاد لماذا؟!.
جذبت ورقة وبخطها
المتعثر ودموعها قررت كتابه الخبر له كي تكون أول من أعلمته ففعله مثل فعلتها لن
تمر أبدا مرور الكرام.
***
أنزلت الهاتف من أذنها،
اطمأنت على أحفادها بالخارج وسألها سميح كالعادة عن ياسمين، أما فتحي فقد طمأنها
بأن سلفيا تتحدث معه وأخبرته بأنها بخير وتعمل بالمطعم مع جون.
نظرت لورد المنحنية على
قطعه من القماش تطرزها ثم شعرت بحزن بالغ
ترى هل ظلمتها هي
الأخرى؟ وماذا عن لمياء المسكينة؟!
"يا أم سعيد هل
أرسلت الطعام للمياء؟"
"أجل يا ست
الكل".
"سامحني يا رب،
سامحني وأغفر لي والله ما أردت لهن الظلم أبدا يوما ما"
***
"افتحي الباب.. افتحي
الباب".
ضرب وطرق متواصل على
باب الغرفة التي حبسته بها لمياء
"يا عمتي أتوسل لك
أفتحِ الباب النار تنهش بجسدي، فقط هذه المرة أعدك فقط هذه المرة".
مر أسبوعان كاملان حبست
فيهم لمياء سالم أبن أخيها بالغرفة، وما إن تتأكد من انه فقد الوعي تماما تدخل
للغرفة تنظفه وتضع الطعام والشراب وتخرج وتغلق عليه مرة أخرى.
انتهت أخيرا من تنظيف
المنزل الضخم غرفه تلو الأخرى تزيح الغبار والعنكبوت وإهمال السنين به إلى أن
انتهت أخيرا اليوم من تنظيفه بالكامل جلست تستريح أمام الباب الخاص بابن أخيها
"اهدأ يا بني ولا
تفطر قلبي عليك".
"نار يا عمتي نـــــــــــــــــــــــــــار،
اتوسل اليك أفعلي شيء اتركيني فقط هذه المرة أتوسل اليك".
غطت وجهها تبكي بشدة
تتألم لألمه.
ثم خرجت من دار ابيها
فالمنزل عتيق الطراز لكنه قوي شامخ والدها كان يحبه ويهتم به كثيرا، لكن أخوها لم
يرضى بالزواج به فبنى لنفسه منزل على الطراز الحديث من الاسمنت.
وصلت للنافذة ودفعتها
بيدها فركض سالم نحوها شاحب غائر العيون أزرق الشفاه، بكت بشدة وتلمست وجهه بشوق
"آسفة يا قلب عمتك
آسفة، أعذرني وسامحني يا ابن الغالية حلفتك بالله بأن تسامحني".
بكي بقوة عندما أتت على
ذكر والدته منذ وفاتها وهو لم ير يوما واحد حلو.
"اتركيني يا عمه
بالله عليك اتركيني".
رفضت بشدة وأمسكت بالقضبان
"سوف أذهب للصيدلي
عله يأتيني بشيء يخفف من ألمك، لمَ فعلت بنفسك هذا يا سالم؟، لمَ؟!".
فرك وجهه بقوة يبكي
"ف فقط أخرجيني من
هنا والله لم أعد أحتمل، لم أعد أحتمل".
هزت رأسها بألم بالغ
بأن لا، انطفأ الألم بعيونه فصاح وصرخ وقلب الطعام أرضا ثم تكور على نفسه يبكي
بشدة ينشد أمه.
راقبته وقلبها يعتصر
بقوة على حالة تبكي وترجوه بأن يسامحها وبأنها أخطأت بحقة كثيرا، بعد مدة طويله
حاول الوقوف مرة أخرى وهي أخذت تحمسه وتشجعه بالكاد استطاع الجلوس فوق الاريكة
التفتت وجلبت له زجاجه مياه وثمرة من الفاكهة، كانت تبكي بشدة فرفق بحالها.
وأخذهم بإنهاك بالغ
لكنه تركهم إلى جواره ونظر لها بخيبة أمل
"وما الفائدة يا
عمه سوف تعودين مرة أخرى وتتركيني وحيد، فقط دعيني وشأني بالله عليك".
رفضت بقوة تسمك
بالقضبان
"لا والله لن
أتركك أقسم بألا أتركك".
ضحك ضحكه ساخرة رجته
للخلف
"سوف تتركين أبنائك
من أجلي؟!".
كان يحتقر نفسه بشدة فاعتذرت
منه بألم بالغ على أنها لم تسأل عنه الفترة الماضية
"سوف تعودين لهم
فقط اتركيني وشأني وكفي عن تعذيبي".
"اولادي
تركوني".
بكت بشدة حتى ارتج
جسدها وضربت برأسها مرتين في القضبان بتعب، ذهب لها وهو ذاهل كيف يمكن أن يتركها
أولادها وهو مشرد القلب والبيت منذ أن توفيت والدته؟!.
"كيف يا عمه كيف؟!،
اين مرام وأسر".
"يخجلون مني ..
يفضلون زوجه ابيهم علي".
أمسك بكفوفها التي
تعتصر القضبان
"مستحيل يا عمه
مستحيل!"
فهزت رأسها بألم بالغ
بنعم وتحدثت وقلبها يتمزع وشفتيها ترتعش من القهر
"ابتعدوا عني
رويدا رويدا ظننتهم مشغولون بدراستهم، كذبت شكوكي مرارا وتكرارا إلى أن رأيتهم بأم
عيني، يعرفون أصدقائهم عليها بأنها أمهم،
لي أشهر لم أرهم ولم
يسأل عني أحد منهم يا سالم، فوضت أمري في زوجي لكن أولادي لما لا يحبوني يا سالم؟
لمَ يتركوني؟!".
أمسك بكفوفها يضمها ويقبلها
"أتوسل اليك يا
سالم أفق يا ولدي لم يعد لدي أحد غيرك، لم يعد لي سواك".
بعد أن هدأ الاثنان عاد
وتناول ثمرة الفاكهة بصعوبة ولكنه تقيأ بشدة وفقد وعيه.
هرعت للخارج وذهبت
لإبراهيم
"استحلفك بالله يا
حاج إبراهيم أن تساعدني وألا تفضحني!".
قصت له سريعا فهز رأسه
متفهم وذهب لأقرب طبيب يعلمه واخذه للمنزل
أشار عليهم بنقله لمصحي
إلا أن لمياء رفضت الفكرة بشدة، متمسكة به بقوة كأخر أمل لها بالحياة!.
"أنها مسؤولية
كبيرة عليك يا أم مرام!".
"يا حاج إبراهيم هو
أخر أمل لي لن أتركه للأغراب".
هز رأسه موافق إياها ثم
أشار عليها
"ما رأيك أن يأتي
عوض للمكوث معكم إلى أن تمر هذه الازمه؟".
فركت يدها بقلق ثم وافقته
مضطرة، لم تشأ أن يشاركها أحد براعيته تريد تحمل المسؤولية كامله علها تعوض
تقصيرها بحقه.
تردد إبراهيم عليها
كثيرا بعد ذلك هو وعوض إلى أن تحسن سالم كثيرا وأصبح بحال أفضل من السابق، وكلما
تحسن سالم تحسنت لمياء هي الأخرى، وأصبح لديها أمل جديد بالحياة... .
وضعت كوب النعناع أمامه
وهو بشرفة الدار خاصتهم بعد أن تناولوا الغداء معا.
ابتسم لها بامتنان
"شكرا لك يا
عمتي".
ربتت على ظهر بمحبه
بالغة
"لازلت تحب
النعناع يا سالم؟".
سألته بدلال فهز رأسه
بنعم وابتسامة جميلة على فمه صمتوا قليلا ثم التفت لها بجدية
"ما الذي سوف
نفعله يا عمه؟، أبي يرفض أن يعطيني ورثي بأمي أو أي نقود".
"لا بد وأن تعود
إلى جامعتك".
انكسرت عيونه للأرض
بحرج
"فاتني عام كامل
يا عمه ما الذي عساي أن أفعله!".
"عام، اثنتان،
ثلاثة حتى لا بأس يا قلب عمتك كل شيء يعوض، سوف تعود الي دراستك ومذاكرتك يا سالم،
اريد أن أخذك إلى قبر أمك وأخبرها بالصبي الجميل الذي أصبحت عليه".
دمعت عيونه بشدة والتف
عنها بخجل بالغ، فربتت على كتفه تدعمه
"ما الذي تفكرين
به؟ كيف سوف نعيش...".
لمعت برأسها فكرة ما ثم
نظرت له بمكر
"هل أخبرتك يوما
كيف بدأت توحة؟!".
"!!!".
نهاية الفصل