حكايات بيت الرحايمة_الفصل الخامس عشر_ج1 بقلم هالة الشاعر

 

حكايات بيت الرحايمة
الحكاية الخامسة عشر
(مظروف فتحية)
(1)

 

 

 

التحية والسلام اما بعد...

...

التحية والسلام أما بعد.. اليوم يا جلال قفز..

...

التحية والسلام أما بعد، والصلاة على من اتبع الهدى

يا جلال ...

....

رمت تلك الورقة أيضا وبكت بشدة، خطها البسيط وكلماتها البسيطة التي تعلمتها بكتاب البلدة اثناء حفظها للقرآن الكريم خذلوها لأول مرة كانت تقص عليه كل شيء وكأنه معهم لكن اليوم لم تحسن أن تقص عليه أي شيء.

حكايات بيت الرحايمة_


"الكلاب نهشونا يا جلال عد أتوسل اليك بأن تعود من أجل أبنائك!".

لعقت المظروف ووضعت الرسالة المبللة بدموعها في أكثر من مكان وأرسلتها في صباح ذلك اليوم.

لم تخرج وكذلك أبنائها خشيت عليهم بشدة، ماذا لو أنتقم مراد منها فيهم أو أحد من أهله؟!، وبالمقابل الفضول قتل سكان البلدة فتحججوا بالشراء وتزاحموا على بيتها.

كانت تعلم ذلك جيدا أنهم أتو من أجل فضولهم ونميمتهم ليس إلا.

"نفذ البيض يا أمي والكل يريد!".

"أذهبي وحركي الدجاجات وأتيني بكل البيض".

استمعت لها نسيمة وأخذت عبد العظيم معها وهرولت جارتها لها

"ما الذي يقولونه بالبلدة يا فتحية؟!".

نظرت لها بألم دون أن تتحدث فلمحت أثار أظافر خمشتها بوجهها ورقبتها

ضربت صدرها بحسرة وألم على جارتها الصغيرة التي لم ترى منها السوء يوما ما

"ابن الحرام هذا كيف يجرأ؟!".

ضربت وركها بغيظ ثم استطردت

"اعذريني يا فتحية لا يوجد بالبلدة من تجلس هكذا وحدها دون رجل!، بالطبع سوف تصبحين مطمع للرجال خاصة وأن لا أهل معك بالمنزل!".

قبل أن ترد عليها وقفت على عقبيها ببطيء ظهر أخويها أخيرا الأكبر منها وقفت ببطيء وقلبها يرتعش هل سوف يصدقوها؟!

ما مصير أولادها الصغار إذا ما فعلوا بها شيء؟!

النظرة بعيون أخويها جعلت جارتها تفر إلى منزلها، وفتحيه ادعت التماسك إلا أن بداخلها كان مرعوب رغم أنها أسست هذا البيت وحدها إلا أن أمرها ليس ملك لها، خاصة وأنها بلا رجل!.

رحبت بهم ودلفوا على مضض ينظرون للغرفتين التي اسستهم بشق الانفس بقرف واشمئزاز تحدث أخيها الكبير.

"للتو عدنا من منزل هذا الكلب".

اختنق الهواء بحلقها منتظرة الرد منه

"لن يتعرضوا لك وإلا قتلنا هذا الكلب ووضعنا رأسه أمام مركز الشرطة".

تنفست أخيرا وغطت وجهها تبكي بشدة وتشهق

"شكرا يا أخي شكرا سلمت وسلمت يداك".

فهز رأسه

"لازلت لا أفهم كيف تمكنت من فعلها يقولون أصبح مقطوع النسل تماما".

شرحت له ما حدث بالضبط

"إذا ما تركته كان ليعود مرة أخرى وقد حمى الله عبد السميع هذه المرة بمعجزة الحقير جز رقبته بالسكين!".

هرع عبد السميع نحوها بجلبابه البسيط ورفع خاله رقبته ورأي العلامة ليفور رأسه من الغضب، أجلسته أخته وأخبرته أنه نال عقابه.

"عليك بالعودة معنا إلى أن يعود زوجك".

"لا أستطيع يا أخي ولمَن أترك طيوري وأرضي!".

زمجر أخيها الأخر

"ما الذي يجلسك بهذه الخرابة يا فتحية؟! هذا ما جنيته من هذه الزيجة!".

نظرت أرضا وغمغمت بقهر

"كان هذا أو أخر يكبرني بعشرين عام ولدية زوجه يا أخي أنتم من أجبرتموني".

ازدردت لعابها بألم، جمالها كان لعنه وجسدها الذي كبر قبل أوانه جعلها محط كل العيون والانظار.

"قدر الله وأنت تعلم النصيب، قدر الله وما شاء فعل".

نظر أخيها الأكبر حوله أنها نجحت بتأسيس حياة لها بالفعل وليس من العدل ترك كل هذا خلفها!.

رفعت رأسها ثم غمغمت غير مصدقة

"هل هذا عبد الحليم؟!".

فهز أبيه رأسه بفخر

"تعال يا قلب عمتك تعال!".

غمرته بالقبل والأحضان وربتت على صدره بفخر تتعوذ من الشيطان غير مصدقة أن الصبي الصغير الذي كانت تحمله بمنزل ابيها وتلعب به بدلا من الدمية القماشية أصبح مراهق بالغ، تمسكت به بقوة وفرح.

"عبد الحليم أصبح رجل دعه يجلس معي يا أخي بالله عليك، وأنتم ودوني وزوروني وهكذا يصبح للبيت رجال بدلا من رجل ولن يجرأ، أحد على الاقتراب منا".

اقتنع أخويها بالرأي الذي اشارت به عليهم وتلك الكارثة أعادت علاقتها بعائلتها مرة أخرى بعد أن عاد الود الذي انقطع لسنوات وسنوات.

***

"خذي يا نسيمة سلمي على زوجات أخوالك وأخوالك ولا تتأخري هيا ساعدي ابن خالك".

لفت لها طاجن من المعمر والكثير من الفطير وربطتهم بمنديل حملت نسيمة نصيبها وحمل عبد الحليم الباقي من الهدايا والفطير الساخن لبيت عائلته.

سار الاثنان متجاوران إلى بعضهم البعض بخجل عبد الحليم يكبرها بست سنوات.

"ملابسك جميله دوما ليست مثل ملابس فتيات البلدة".

أحمرت وجنتيها بشدة وغمغمت بخجل

"ابي أتي بها من الخارج".

جديلتها السميكة تتدلى الي كتفها الأيمن وشعرها اسود حريري طويل، تخشى فتحية عليه من العين فتجدله دوما كي لا يظهر طوله الحقيقي وفستانها وردي جميل لم ترتديه سوى بالعيد، اليوم أخرجته لها والدتها كي تذهب به إلى منزل جدها وترسل بعض الهدايا، إلا ان عبد الحليم بن خالها يربكها ووجنتيها دائما حمراوان لسبب لا تعلم شيء عنه بعد، وهناك أيضا دغدغه لطيفه تدغدغ قلبها الرقيق الصغير وبعض من الفراشات التي تحلق ببطنها كلما تحدث إليها لا تعلم سبب لها بالطبع!.

 

رحب بها أخوالها على عكس نساء المنزل رأينها مختلفة!،

وجميلة بشكل ملفت!!،

 وشكلت لهم على الفور تهديد!!!.

...

وقت الشروق تجلس على السلم تراقب الطريق الخالي من المارة وقلبها يخبرها بشيء، يخبرها بأنه أتٍ!

ظهر أخيرا بحقيبة يحملها على كتفه وسروال من الجينز وسترة من الجلد الأسود، هرولت إلى الأسفل وفتحت باب المنزل وركضت نحوه، ركضت بكل قوتها تتعلق برقبته سقطت الحقيبة من ذراعه وانتبهت هي بعد مدة بأنه لا يبادلها العناق.

انزلت ذراعيها بخوف وتراجعت ببطيء بالغ تراقب وجهه

جامد

لا يفسر!.

غمغم من بين شفتيه بجمود

"اين ابن الكلب هذا؟!".

"هرب، لم يعد يستطيع السير بين أبناء البلدة فتركها وهرب، لقد نال عقابه يا جلال لا تشغل بالك به حمد لله على سلامتك".

اخترقت نظراته الجامدة عظامها وتوجه لمنزله وانحنت هي وحملت الحقيبة وسارت خلفه، لم ينطقها لكن النظرة بعيونه كانت تصرخ ب

(ليس هناك دخان دون نار)

مثله مثل الجميع فطارت فرحتها برجوعه وطار الأمل بالحياة معه

جلس جلال معها سته أشهر، كانت كالجحيم!.

شجارات مع أهل البلدة وعائلة مراد كي يرد كرامته، وسخط ونقمه على الأحوال المتردية وضيق الأموال، كل شيء بنته كان يتسرب من بين يديه ويبيع كل شيء تطاله يداه بعد سته اشهر شجعته توحه على السفر مرة أخرى وفر هو في أقرب فرصة.

نظرت للمنزل الذي تركه خاوي من كل شيء ولم يبقى بغرفتها سوى دجاجات بسيطة بعد أن باع جلال كل تعبها من أجل الدخان الذي كان يشربه وجلساته اللانهائية على المقهى والسفر للمحافظة بدون أي سبب.

جلست على عقبيها تنظر للغرفة التي كانت ممتلئة بالخير بحسرة بالغة جلال يأخذ فقط ولا يعطي أخذ عمرها وصحتها وسعادتها وحتى مشروعها الذي تعبت وكدت به أخذه ومن ثم رحل!.

غطت وجهها تبكي بحسرة بالغه فوجدت يد نسيمة الحنونة تربت عليها وقد خلعت القرط الذهبي من أذنها ومدت يدها لأمها

"ما رأيك بأن نذهب ونشتري صيصان تعلمين أنني أحب ريشهم الناعم بشدة هيا أمي لنا مدة لم نشتري".

أغلقت كفيها بحب وقبلتهم ومن ثم ضمت نسيمة لها بشدة، نسيمة هي نسمه الهواء التي تسري برئتيها وتعيش لها ومن أجلها، بدأت فتحية من الصفر مرة أخرى وقبل أن تضع مولودها الخامس بشرت دجاجاتها أخيرا بالبيض فأسمته عبد الرازق.

****

"قلت لا يعني لا يا نعمات ولا اريد سماع هذا الأمر مرة أخرى بالبيت هل هذا مفهوم؟!".

صرخت بقهر

"وإلا ماذا يا عبد الجبار؟ سوف تتركني وتذهب لتبيت عندها اليس كذلك!، لقد تعبت من هذا التهديد تعبت!، ياسمين تعمل بهذا المجال، وتشاهد الفيديوهات خاصتها ولا تعترض لمِ تعترض علي أنا!".

أمسكت بكفيه ترجوه

"أنا أكثر مهارة ونظافة من كل هؤلاء النسوة انت تعلم ذلك يا عبد الجبار، سوف تدر علينا الربح الوفير صدقني".

"لم أصبح عاجز بعد يا ست نعمات كي تشيعي حياتنا وأكلنا ومنزلنا على الملاء!، كيف اسير مرفوع الرأس حتى؟، قسما بالله لن يحدث ولو على رقبتي!".

هم بالخروج من المنزل فركضت خلفه وصرخت من بين اسنانها

"لا تذهب لها وتتركني لا تهددني بها!".

نزع عبد الجبار يدها بغيظ وتركها واتجه ناحية بيت ورد وأغلق الباب خلفه.

النار كانت تأكل بها فأطرقت الباب عليه بقوة وفتحت ورد لها، أزاحتها بذراعها ودلفت تبحث عنه بهمجية، لم تجده ففتحت عليه باب الحمام وجدته يغمر رأسه أسفل صنبور المياه، وورد تشاهد جرأتها بعيون جاحظة غير مصدقة للطريقة التي تتعامل بها مع عبد الجبار

"ما الذي تفعلينه هنا يا نعمات هل جننت؟!".

خرج بضخامته والمياه تقطر من شعرة الجعد بقوة، يجر نعمات من ذراعها كي تخرج لمنزلها لكنها رفضت بشدة

"عد معي الآن لن اعود وحدي!".

"اخفضي صوتك هل جننت؟ ما بكِ اليوم؟!".

"لن أتركك معها يا عبد الجبار ولو لثانية!".

نزع يده منها بغلظه وجلس على الاريكة وحاجبه مرفوع يتحداها فاشتعلت النار برأس نعمات وصرخت به

"يا أنا يا تلك يا عبد الجبار لم أعد أحتمل هذا الوضع أرمي عليها اليمين الآن، أو أذهب لبيت أبي بلا عودة، لقد سئمت هذا الوضع ولم أعد أحتمله!".

"طريق السلامة".

البرودة بصوته أماتت قلبها وكأن هناك دلو ضخم من المياه المثلجة سكب عليها فجأة!، جمدت مكانها لحظات ثم خرجت وعيونها تحدق بقوة في الفراغ ثم انسحبت لشقتها.

بينما ورد وضعت يدها على فمها تبكي بقوة وتشهق إلى جوار الباب غير مصدقة ما يحدث أمامها وإلى ما ألت إليه الأمور!.

أغمض عيونه بتعب قليلا ثم تحدث بصوت ميت

"الغداء بعد قليل تجلسين إلى جواري مفهوم".

بعيون جاحظة من الصدمة هزت رأسها مرة بصعوبة، ثم غادرها عبد الجبار وما إن نزل للأسفل حتى وجد توحة بأخر درجة من السلم فعلم أنها سمعت ولو شيء من الشجار خاصته.

نظراتها الجامدة له أجبرته على أن يتبعها إلى الغرفة وما إن دخلوا لها حتى أغلقت توحه الباب وتحدثت بجمود بالغ

"طلق ورد".

"ماذا؟!!".

"يكفي تعذيب للمسكينة طلقها الآن وأنا عندي لها من يعرف قيمتها".

ومن ثم تركته يشعر ببرودة رهيبة تغلف عالمه ولا يعلم كيف سوف يعود له الدفء مرة أخرى يوما ما!.

*

جلس الجميع على طاولة الطعام، كل بيت يضع ما لديه وجلست ورد بحذر إلى جواره مثلما أمرها وتجرأت ووضعت له بطبقة من طعامها الذي أعدته، تناول منه ببطيء بالغ وكأنه يودعها بكل لقمة والغصة تملأ حلقة، نزلت نعمات بطعامها مكسورة لا تنظر ناحيته ووجهها لا يفسر، سأل إبراهيم ورد

"يا ورد هل قررت البيع؟ السعر جيد جدا".

نظرت حولها بعدم فهم فتمتم عبد الجبار لها دون أن يلتفت عن طعامه بجمود

"والد نعمات يريد شراء منزل والدك هل تريدين ذلك؟".

فهزت رأسها بلا فرفع رأسه مزمجر بإبراهيم بنبرة لا تقبل الحوار معه

"أخذت إجابتك!".

 ثم أكمل تناول طعامه، ارتاحت نعمات بشدة رغم فقدانها للمال الذي وعدها والدها به إلا أنه أفضل من أن تملك ورد كل هذا المبلغ من المال، وإبراهيم لم يتدخل أكثر من ذلك فوالد نعمات يتوسطه لهذا الأمر منذ مدة ولا أحد يعلم لمِ يصر على امتلاك هذه الخرابة!.

فوالد ورد كان لدية منزل قديم متهالك بالأساس ومن غرفتين بسيطتين وساحة خلفية كبيرة يرعي بها الأغنام

 لم يكن منزل صالح للسكن حتى بل من الطين، وبعد وفاته بمدة اقترحت الجدة على ورد أن يتم وضع سور لكل تلك المساحة وتأجيرها كمخزن كي تستفيد ورد منه، وامتثلت لاقتراح الجدة وكل شهر يدر عليها مبلغ بسيط جدا تشتري به ورد الصوف والخيط خاصتها ليس إلا!، ولا أحد يفهم سبب تمسك والد نعمات بهذا المكان الخرب الذي لا يقطنه أحد ومقطوع تماما عن البلدة.

"تجهزي للدورة خاصتك".

هزت ورد رأسها بخفوت ولحقت به ما إن ابدلت ثيابها وحضرت حقيبتها لكن قبل أن تمسك مقبض باب السيارة فوجئت بنعمات تأخذ الباب منها ودلفت نسيمة راكضة تصرخ بمحبة بأن والدهم سوف يأخذهم للمحافظة.

"المكان لن يتسع لنا جميعا".

غمغم من بين أسنانه بغيظ بالغ في وجه نعمات إلا ان الخيبة التي ظهرت على وجه أولاده وخفوت فرحتهم الجمته!.

فركب في مقعد السائق ودلفت نسيمة وزين ثم نعمات بالكاد كان هناك أي مكان لورد!.

تمسكت بحقيبتها المعلقة بذراعها وغمغمت

"ل لا بأس سوف أذهب بسيارة أجرة".

"لن تسافري وحدك!".

نهرها عبد الجبار بينما نعمات تحدثت ببرود

"المكان يتسع لك لا داعي لخلق مشكلة!".

حشرت نفسها بالكاد وركبت الي جوار نعمات التي تحمل أبنائها زين ومحمد على ساقيها وإلى جوارها نسيمة وترفض أن تجعل أي من أبنائها يجلس على قدم ورد.

أضطر عبد الجبار إلى الانطلاق كي لا يتأخروا على موعد الدورة لكن بتلك اللحظة وأثناء تمسك ورد بالباب وجلوسها على حافة الكرسي الخاص بتلك العائلة علمت مكانتها الحقيقية أنها مجرد شيء زائد لا قيمة له، يضيق عيش هذه العائلة السعيدة ليس إلا.

*

وبطريق الرجوع واثناء جلستها المعذبة تلك وسماعها مرح أولاد عبد الجبار عن النزهة الرائعة والحلوى اللذيذة التي أتي لهم بها وصخبهم المحرومة منه بحياتها الصامتة صمت القبور، اتخذت ورد قراراها!.

*** 

تكملة الفصل

إرسال تعليق

يسعدني معرفة رأيك بالفصل أو المقالة

أحدث أقدم

نموذج الاتصال