حكايات بيت الرحايمة_الفصل السابع عشر_ج1 بقلم هالة الشاعر

 

الحكاية السابعة عشر
(رحلة الشاطئ)
 (1)

 

حل منتصف الليل ونعمات تقف بغرفة منزلها تهدهد محمد صغيرها الباكي، وأخيرا تمكنت من جعل زين يهدأ وينام بسريرة، أما نسيمة فمتكورة على نفسها ودموعها لا تجف.


حكايات بيت الرحايمة
الفصل السابع عشر


ازاحت الستار للمرة المائة تراقب الطريق، لقد وجدة عوض منذ عدة ساعات ووضح له الأمر تماما مثلما حكت لهم الجدة لكن عبد الجبار رفض العودة معه.

سوف يعود.. بالتأكيد سوف يعود من أجل ابناءه إن لم يكن من أجلها، قلبها يغلي من القلق وأخيرا ظهر عبد الجبار بجسده الضخم وسرواله وقميصه الغير مرتبين بالمرة.

 ربتت بقوة على صغيرها محمد الذي أوشك على النوم، تريد وضعه بسريرة كي تكون متفرغة لعبد الجبار وها هي نسيمة هي الأخرى نامت أخيرا.

تأخر الوقت والدقائق أصبحت ربع ساعة، لماذا لم تسمع صوت مفتاحه بالباب إلى الآن؟.

 هل هو لدى الجدة؟!

أم لدى ضرتها؟!

أيعقل؟!!

وضعت الصغير بسرعة وركضت للخارج جاذبه طرحة سمراء خفيفة فوق شعرها العسلي، لكنها لم تسمع أي صوت أو أي جلبه، فنظرت لباب شقة ورد بحنق بالغ ...

***

يجلس بالظلام ويخفي وجهه بكل من ذراعيه، غير مستوعب أو مصدق كل الذكريات تتدافع بقوة لعقله وكلها غير ممكنه، هو فقط لا يستوعب!.

تراقبه من بعيد صامتة أرادت قول شيء لكنها كالعادة لم تجد أي شيء تخبره به، لكنها تعلم بقرارة نفسها أن وجودة هنا لا عند نعمات، يعني الكثير.. خاصة بعد مروره بهذا الظرف العصيب.

رفع رأسه أخيرا وتحدث للفراغ

"أول شيء طرق برأسي بأنهم وجدوني بصندوق ورقي، وانني ابن حرام".

تساقطت الدموع من عيونه

"لعين الشيطان اليس كذلك؟!".

تقف خلفه من بعيد تستمع له بألم حاولت التقدم، حاولت إخراج ولو كلمه مواساه واحدة، لكن كل من ساقيها أو لسانها خانها على حد السواء.

 التفت فجأة لها وسأل بغضب

"هل تغيرت نظرتك لي؟!".

"نفت رأسها بسرعة

"لا والله أبدا ما ذنبك أنت؟!".

جسدها كله رافض للفكرة والدموع تسقط من عيونها، تمني لو تأتي بقربه لكنها لن تفعلها مد يده بارتعاش بالغ في الهواء وتمنى ألا تخذله ولو لمرة واحدة ليس وهو بهذه الحال!.

"ورد".

نادها الصوت الضخم بتوسل، تساقطت المزيد من الدموع بعيونها وقبل ان يكررها الجلبة لدى الباب كانت عالية جدا، اضطرتهم الاثنين للالتفات على الفور.

ركضت ورد نحو الباب واقتحمت الجدة المكان تبكي بشدة

"ولدي!".

يسندها عوض تلهث وتبكي بحرقة، بينما عبد الجبار حالما رآها اختبئ خلف ذراعيه يبكي بقوة وكأنه طفل صغير لا شيء مما يعرفونه عن عبد الجبار أبدا كان بهذا الشخص الضعيف الذي يأن ويبكي!.

تهاوت الجدة تلهث بقوة من بكائها إلى أقرب أريكة تكتم فمها

ترى ما الذي يظنه بي الآن؟ هل فقدته هو الآخر؟، لمَ كتب على الفقد والحرمان لكل من  أحبهم؟!.

"سامحني.. ك كان يجب على إخبارك، سامحني".

صوت صدرها المنهك يصدر صرير قديم أنهك قلب عوض، حاول التدخل إلا أنها منعته وأمرته بترك المنزل، تحاملت على عكازها بعد أن تركها عوض مكره وتوجهت بخوف نحوه، حاولت التربيت على ظهرة فتجعد ظهره.

صعقتها الصدمة فتهاوت إلى أقرب كرسي تكتم فمها بشدة.

"لم أخذك لأنني خفت من جلال، لم اخشاه!، ل لكنني خبئت عنك خشيت أن تفسر كل كلمه مني بكرة لأنني زوجه أبيك كنت أنوي أخبارك لكنني خفت، وكل يوم أصبحت الحقيقة أصعب، كبرت وخفت أن أفقدك يا عبد الجبار لا يهمني إن نزلت من رحمي أم لا أنت قطعة من قلبي".

بكث أكثر وبصقت الكلمات بسرعة ورعب

"وبعد ورد خفت أن تفسر الأمر أنني حملتك على ورد لأنك لست أبنا لي، خفت أن أفقدك.. أنت لي يا عبد الجبار.. لي!".

يبكي ويهتز ويرتج جسده العملاق من البكاء بشكل لم تره به من قبل قط

"أتوسل لك بأن تسامحني".

"لااااا".

نهرها على الفور بشدة

ووقف وتوجه لها ورمي رأسه بحضنها يقبل يدها بقوة

"لا.. لا تتوسلي أبدا يا توحه لم تفعليها من قبل كي تفعليها الآن!".

جذبت رأسه العملاقة تقبله بقوة وتضمه لها وكأنها تخفيه بصدرها بقوة بالغة رافضة تركه،

 رافضه فكرة بأنه ليس ابن لها!.

"أنت أبني، أبني قل أمي لا تقل توحة!، قل أمي".

أمرته بلهفة وأطاعها بسرعة

"سامحني يا عبد الجبار سامحني"

أجهش بالكباء بيأس بالغ

"لا أبكي لأجل هذا، بل.. لأن... لأنني، لم أشعر أبدا، لم يطرق الأمر برأسي حتى!،أبكي لأن الله كان رؤف حليم بي، ولطف بحالي ولم يذيقني مرارة اليتم ولو لساعة".

بصوت منهك من سنواتها الطويلة

"والله العظيم لا أسامح نفسي يوم لأنني تركتك تبكي لثلاثة أيام".

قبل يديها بلهفة عدة مرات

"أسامحك، أسامحك يا غاليه أسامحك".

احتضنت ذراعه تخفي رأسها به وتتمسك به بقوة ويربت عليها كي تهدأ، وما إن هدأ بكائها حتى سألها بتردد بالغ.

"مَ مَن يعلم أيضا؟".

أغمضت عيونها بتعب بالغ تبتلع المها

"نسيمة وعبد السميع".

جحظت عيون عبد الجبار ووقف غير مصدق

"منذ متى؟!".

"منذ اللحظة الأولي التي دلف بها أبوك للمنزل يحملك بحقيبة".

عيونه في اقصى اتساع لها!

ثم فجأة وبدون أي مقدمات ضرب رأسه بقبضتيه الضخمتين دون انقطاع وهو يصرخ

"لا لا لا ليس هم لا لا لا".

حاولت اثناءه عن ضربه لنفسة والامساك بيده إلى ان نجحت بذلك، ضمته لصدرها حتى نام رأسه بحجرها أخيرا علي اريكه ورد ونامت الجدة هي الأخرى بعد تعب بالغ وهي تمسد رأسه، تاركين ورد خلفهم تزرف الدموع بلا هوادة.... .

***

I've been reading books of old

لقد كنت أقرأ القصص القديمة

The legends and the myths

الأساطير والخرافات

Achilles and his gold

عن أخيل وذهبه

Hercules and his gifts

هركليز ومواهبه

أخذت نفس عميق مليء باليود أتى مع هبه ريح ناعمه حملتها الموجه، راقبت المتزلجين على الالواح بفتور لم تعد تتزلج على المياه رغم أنها كانت تمارسها عدة مرات بالأسبوع بحب وشغف، لكنا فقدت الرغبة بهذا الأمر أيضا مثل الكثير من الأشياء بحياتها.

العمل فقط هو ما تعيش من أجله الآن.

لا شيء آخر يستحق!.

Just something I can turn to

إلى شخص أستطيع التحول له
Somebody I can kiss

إلى شخص أستطيع أن أقبله

أجل أجل لقد أخفضت توقعاتها لهذا الحد بعيدا عن الابطال الخارقين وخمنوا ماذا؟!.

أجل.

فشل زريع!!!

استندت إلى مدخل المطعم خاصتها تستمع بشجن للأغنية التي تمثل حالها المحبط الآن.

لتقف الأغنية سريعا وتضيع حاله الشجن التي دلفت بها، بسبب أغنيه صاخبه ل أيماجن دراجون.

"فيليب!".

غمغمت بحنق من بين اسنانها ودفعت الباب متجهة نحوه وهو يلعب بقائمة الأغاني خاصتها!.

التفت سريعا للنظرة المخيفة على وجهها

"ماذا لقد أحببت أيماجن دراجون طوال الوقت؟!".

"أصبحت.. أكرههم.. الآن!".

كل كلمه خرجت مضغوطة على حدة بنبرة لا تقبل الشك، فأغلق الأغنية سريعا، سحبت الفأرة من يده كي تضع الأغاني البائسة خاصتها مره أخرى فتنهد.

"جاسمين رجاء!، لقد أصبح المطعم كئيب ولم يعد يأتي سوى المحبطون أو الذين خرجوا للتو من علاقات فاشلة!".

"ما بهم المحبطون ها؟، وما علتهم من فشلت علاقاتهم؟!!".

عاد خطوتين للنبرة الهجومية ولإصبعها الذي كاد أن يخترق عينه!.

"لا شيء فقط أهدئ!، لقد تلقينا تعليقات سلبيه مؤخرا على التطبيق بسبب نوعيه الأغاني!".

تنهدت وغمغمت أثناء ذهابها

"ضع ما تريد عدا أيماجن دراجون".

فكل مرة تسمع أغنيه لهذه الفرقة تتذكر حميد وذهابهم الحفل معا.

ضربت الباب الخاص بالمطبخ وارتدت المريول خاصتها وأخذت ملعقتها الصغيرة وذهبت لمكان الصلصات التي تعد كي تتذوق

"حار.. لاذع.. ينقصه الليمون.. مقبول.. قرف مجرد قرف!".

ثم صفقت الملعقة بعد تذوقها لأخر قدر من الصلصات قبل أن يتذمر الطاهي الجديد معها ويتشاجرون كعادتهم، أتت فيلادلفيا مسرعة وأعطتها صندوق صغير من الطعام.

"هذا وقت تناولك للغداء"

قذفت بها للخارج فتنهدت ياسمين بإحباط وسارت معها

"هل فقدت صوابي مرة أخرى؟!".

سألت ببؤس.

"لا بأس هذا طبيعي جدا بهذا الوقت، لقد كانت التحضيرات قوية اليوم وهذا يمثل ضغط أضافي عليك هيا تناولي طعامك ولا تعودي قبل ساعة مفهوم؟".

"شكرا فيلادلفيا"

تمتمت بتعب وأخذت الصندوق وذهبت بعيدا عن المطعم فقدت الكثير من وزنها لم تعد ممتلئة القوام مثلما كانت وبرزت عظام وجنتيها لأول مرة، شكلها جذاب ولكن غريب لقد اعتادت الوجنتين الممتلئتين.

جلست على الرصيف الخشبي وأنزلت ساقيها تمرجحهم وتتناول الطعام بشرود، تحن لمصر كثيرا تحن لها بشكل مؤلم يجعلها تفقد طعم كل شيء هنا وكأنها خسرت مكانها بمصر وأستراليا في نفس اللحظة!.

 كانت تستمتع لأنها أكيدة من العودة أما في هذه اللحظة لم تكن أكيدة من أي شيء.

أنزلت شطيرتها واستسلمت أخيرا للشيء الذي يلح عليها بقوة منذ عدة أيام، فتحت الهاتف وبحثت جيدا في الحساب الذي تضع به ملفاتها بالأنترنت إلى ان وجدت الفيديو والصور تحت عنوان

"مصيف العائلة".

بتردد بالغ لمست الشاشة كي تشاهد الفيديو هي من صورة بكاميرا ديجيتال قديمة الله وحده يعلم بأي أرض تكون الآن!.

أمها تلوح للشاشة وترسل قبلات حارة بالهواء وأبيها يبتسم ثم يتذمر

"يا سمين هيا بابا سوف نتأخر، أسرعي".

"هل يمكنني التزلج على المياه".

"لا بابا".

"حسنا ماذا عن الغوص أو ركوب المنطاد".

"لا بابا".

أكمل عبد السميع وضع أغراضه بالحقيبة وهو يجاوب أسئلة ابنته التي لا تنتهي

"هل بها جبل سوف نصعده حتى؟ ما هذا الملل؟!".

تنهد عبد السميع وجلس وأخذها إلى جواره

"ياسمين حبيبتي هذا ليس شاطئ سيدني، وكذلك ليست دهب أو شرم الشيخ انه مكان مختلف تماما تحب عائلتي الذهاب له مرة كل عام، لن تجدي أي من الرياضات الفاخرة هناك أعلم، لكن أعدك بقضاء وقت ممتع لن تنسيه أبدا ما حيتي قد تكون أسعد رحلة بحياتك كلها، تثقين بي بابا؟".

قبله سريعة على وجنته بحب

" بالطبع أفعل"

"رجاء آخر كوني عاقله ولا تشغلي قلب توحه تعلمين كم تحبك وتقلق عليك لا داعي لتهورك!".

زاغت عيونها لسقف الغرفة بمكر فضحك بشدة على إجابتها الواضحة

أغلقت جيسي الحقيبة خاصتها أخيرا وجلست تسأل زوجها بفضول عن هذا المكان السحري فسألت سريعا بالإنجليزية

"ما أسم هذا الشاطئ".

"جمصة".

فغمغمت كل من جيسي وياسمين بجهل ولكنه أجنبيه في آن واحد

"جمصة!!!".

*

يتبع....

إرسال تعليق

يسعدني معرفة رأيك بالفصل أو المقالة

أحدث أقدم

نموذج الاتصال