حكايات بيت الرحايمة_الفصل الخامس عشر_ج2 بقلم هالة الشاعر

 

حكايات بيت الرحايمة
الحكاية الخامسة عشر
(مظروف فتحية)
(2)


دلف عوض إلى غرفة الجدة فأشارت له بيدها كي يتقدم نزل ارضا إلى جوارها فهمست له وهي تناوله الهاتف

"أين ياسمين وأين الفيديوهات خاصتها كان يصلني إشعار بالهاتف كلما نشرت شيء، هناك خطب ما بالهاتف لا يرسل أي شيء ولا اعلم كيف ابحث عنها؟!".


حكايات بيت الرحايمة


"الهاتف سليم يا جدة ياسمين لم تعد تنشر شيء".

"لمَ؟!".

شرح لها عوض الوضع باختصار ففزعت الجدة

"لكن براءتها ظهرت يا عوض لماذا يسيء الناس إلى سمعتها؟!".

"لن نستطيع قول هذا الشيء بالفيديوهات يا جدة!".

حزنت كثيرا وضربت فخذتها عدة مرات

"لكن هذا عملها الذي تحبه أخبرتني بأنها تحبه أكثر من أي شيء آخر!، خسرت كل شيء كل شيء بسبب ابن حميدة".

تحدث عوض من بين اسنانه

"لقد عاد لشقه وأنت من يمنعنا عنه!".

تحدثت بألم من بين دموعها

"تظنها سهله علي؟، هو الآخر حفيدي رغم قبح فعلته هو الآخر قطعة من قلبي".

مسحت دموعها الغزيرة بطرف حجابها فربت عوض عليها إلى أن هدأت واستغفرت ربها.

"ما بك يا قلب ستك؟، لك مدة لا تمازحني ولا تشاكسني".

صامت ينظر أرضا بلا إجابة وهو شيء غريب تماما على عوض الملتزم صاحب الروح الطيبة الحلوة.

جذبته الي حضنها وقبلت وجنته تلك القبلات المتتالية المحبة التي تدفء القلب، ومن ثم وضع عوض رأسه على فخذتها.

"لمَ خُلقنا يا جدة؟".

"لنعبد الله ونعمر الأرض يا عوض".

أغمض عيونه لوهلة الكلام ثقيل مر كالعلقم بفمه يكبله عجزة وضيق حاله

"وكيف نفعل هذا يا جدة والكل رافض للسماع لاه بدنياه؟!".

"توبة الغافل أصعب من توبة العاصي يا عوض، المعصية لها قرف يجعل صاحبها يفكر بالتوبة كل مرة، أما الغافل فهو لاه عن الله".

مسحت على رأسه تمسد جبينه ثم شعرة وتتمتم بسرها بآيات من القرآن كي تحفظه وتحمية فتحدث بإرهاق بالغ وهو مغمض العينين.

"وماذا نفعل إذا لم يشأ الناس بأن يسمعونا يا جدة".

"هل رغب أحد يوما ما يا عوض على مر الزمان بسماع الحق؟!، لهذا عظم الله أجر من بشر بدينه، لمشقة المهمة يا عوض".

أعتدل وتساقطت دموعه

"أشعر بأنني مكبل يا جدة من كل شيء حولي وأن لا فائدة لي إطلاقا، أشعر بأنني لا قيمة لي في الحياة".

ربتت على صدره بلهفة تتعوذ من الشيطان.

"لمَ لا تبدأ بأهل بيتك؟!".

نظر لها بتعب بالغ

"لم يسمعني أحد يا جدة حتى أهلي خذلوني وهذا أكثر ما يؤلمني".

هزت الجدة رأسها عدة مرات

"هذا البيت يحتاجك بشدة يا عوض، أنت هو الأمل".

نظر لها وتساقطت دموعه أكثر من ذي قبل

"جبر الله بخاطرك".

"لا!، لا أجبر بخاطرك ولا اسمعك مجرد كلام يطيب خاطرك!، نحن بالفعل غافلون كل في مصيبته وكل في دنياه وأنت هو الأمل يا عوض أنت أكثرنا حبا للخير، وأكثر من يفشل ويحاول.. لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون أنسيت يا عوض؟!".

بكي بشدة حتى غطى وجهه

"تهت يا جدة، تهت وتاه مني الطريق وهذا أكثر ما يحزنني".

ربتت على ظهرة بحنان

"لأنك بشر يا عوض!، خلقت لتعبد وتعصي وتتوب وتستغفر وكلنا نسير بأمره، المهم أن نفوق من كبوتنا ولا نكن من الغافلين يا ولدي".

هز رأسه عن اقتناع بفرح وبدأت الدنيا التي كانت سوداء قبل دقائق يظهر بها ألوان أخرى!، ألوان لم تكن موجودة بالحياة قبل دخوله غرفة الجدة (غرفة البركة).

"كل جمعة كل أهل هذا المنزل سوف يجتمعون ولا مفر من هذه الجمعة بغرفتي كي يستمعوا إلى خطبتك".

نظر لها عوض بعيون واسعة وقد أعجب بالفكرة كثيرا وشقت البسمة ثغرة نظر أمامه وتزاحمت الأفكار بشدة في عقله لشدة ما يشعر به من حماسة

"ولكن فيما أخطبهم؟!".

نور انبثق من عيون الجدة راغبه في سماع خطبه عوض في التو واللحظة لشدة ما تشعر به من حماسة

"الجنة".

***

دلف عبد الجبار باليوم التالي إلى شقة ورد، كلام توحة دمره لكنه لن ينصت لها ورد زوجته رغما عن أنفها هي شخصيا!، دلف للغرفة خاصتها لكنها لم تكن موجودة أحتار بأمرة فهي لم تكن موجودة بالأسفل أيضا.

اين يمكن أن تكون؟!

انتبه جيدا لطاوله الزينة العتيقة خاصتهم، لا يوجد بها شيء سوى مفرش حاكته ورد قديما من الصوف وجد فوقة حلقة الزواج الخاصة بورد

حلقة ضعيفة بسيطة شديدة النحافة مثل صاحبتها!.

امسك بها بعيون جاحظة غير مصدق ما يراه ابدا ترى هل ذهبت ورد؟!

فتح الدولاب خاصتها معظم أغراضها موجودة!، لكن الصناديق الورقية الخاصة بأحذيته مرصوصة بنظام بالغ في خزانتها

لمَ؟!

فتحهم واحد تلو الآخر لتتجمد عيونه

واحد به نقود.. نقوده هو!

لدية عادة غبية ببرم النقود ولا يستطيع التخلص منها!

يقوم ببرم المبلغ المالي ولفه بشريط مطاطي ويعطي كل من ورد ونعمات كل منهن لفاتها كل شهر، عدد اللفات مهول ولا واحدة منهم تم فتحها من قبل!.

جحظت الدموع من عيونه بقوة بالغة لا تناسب هيئة الضخمة أبدا!، فتح الصندوق الاخر ليجد به علبه صغيرة من القطيفة الحمراء

تحتوي على تسع خواتم عدد الخواتم التي اهداها لها بعد كل حصاد ناجح، عادة بمنزلهم ولا تنقطع الا بالظروف الصعبة التي تحتاج إلى كل قرش، لم ترتديهم قط وكل عام كان يأمل بأن يراها ترتدي إحداهم لكنها لم تفعل قط ولو لمرة!.

*

"اين ورد؟!".

اقتحم مجلس والدته بغضب لا مثيل له، بينما توحة نظرت له ببرود ولم تجيب.

فزئر حتى فزع الطير المجاور لمنزلهم!

"اين ورد؟!".

"سوف تعيش عند لمياء، وانا من أذن لها بالرحيل".

فار من الغضب والحنق وصفق الباب خلفه ينهب الأرض أسفل قدمه.

*

لمياء سمحت لها بالمجيء فهي تدير مشروع من منزل والدها الآن وأكثر من فتاة وامرأة يعملون معها، يصنعون الجبن ومنتجات الالبان وإبراهيم أصبح يسوق لهم أيضا، سوف تمكث معها إلى ان ينتهي عقد الايجار الخاص بمنزل والدها وربما حينها ترمم غرفة أو اثنتين لتمكث بهم.

الرياح صعبه باردة، تطيح بحجابها يسارا بشدة، ضمت نفسها وحقيبتها القماشية البسيطة لا تعلم ما إن كان الهواء هو من ينخر بعظامها أم البيت الذي لم تغادره منذ أن كانت بالخامسة عشرة؟، لا تعلم ايهما يؤلم أكثر من الاخر ويجعل الدموع تنهار بقوة من عيونها وتحجب الرؤية الجيدة عنها وبالتالي يبطئ خطواتها المتعثرة بالأساس.

ما بك يا ورد؟ هذا ما اردته دوما، لقد أصبحت حرة وانتهى الدين خاصتك، منذ اليوم لا قيود لك اصبحتِ حرة وأخيرا.

"ورد!".

الزئير اللاهث الذي خرج خلفها جمدها بمكانها تماما بلا أي حركة لا بد وأنها هلوسات منها لا يمكن أن يلحق بها، تحاملت على نفسها واجبرت ساقها بأن تخطو خطوة واحدة أخرى إلا ان صوته جمدها مرة أخرى فاضطرت للالتفات كي تكذب اذنها ليس إلا!.

"إلى اين؟!".

يلهث بشدة وكأنه اتي عدوا والفكرة نفسها اذهلتها بقوة حتى انها فقدت القدرة على النطق!، تقدم نحوها بخطى غاضبه ينفث اللهب بشدة من غضبة إلى ان وصل لها فأمسكها من ذراعيها النحيلين يهزها لترتج بيده وكأنها ورقة!.

"لمَ تركت بيتك؟!".

تساقطت الدموع من عيونها بقوة فتركها على مضض

"بيتك وأولادك أولى بك بكل شيء أنا مجرد عاله عليك".

زمجر بها

"من أخبرك هذا؟!!".

نفت بشدة

"لا أحد، لا أحد أبدا!، لكنني ابدا لن أستطيع إعطائك أولاد ولا فائدة لي مجرد رقم ضائع لا قيمة له يحجم من حريتك وحياتك ليس إلا".

هي من ترى نفسها هكذا وهو؟، ما الذي فعله يوما كي تشعر بهذا الشعور؟!

وما الذي فعله يوما كي يكذب هذا الشعور؟

أنت لم تفعل شيء يا عبد الجبار لم تفعل شيء على الاطلاق!

تدارك نفسه وضعفة وانهياره الوشيك ولملم أي شيء تبعثر أمامها وأجلى صوته

"أعلم بأن نعمات تفوهت بالكثير من الهراء لهذا سوف اسامحك على هذه الغلطة يا ورد، لكن إذا ما التفت وتركتي بيتك خلفك اعلمي أن لا عودة لكِ مطلقا لهذا البيت هل هذا مفهوم؟!".

صامته بمكانها تنظر ارضا وتتساقط عنها الدموع فانهزم وانحنى عليها وانهار صوته هو الآخر

"عودي إلى منزلك يا ورد لن يعلم أحد مقدارك مثلي عودي لبيتك يا ورد ولا تتركيه"

لا تتركيني

لا تتركيني

لا تتركيني

لم تتحرك من مكانها فتقهقرت خطواته للخلف بتعب بالغ ثم عاد منحنى الاكتاف بهموم لم يعلم لها طعم ما من قبل هموم أحنته وجعلته يكبر بالعمر سنوات وسنوات، لكن هذا العذاب انتهي بمجرد أن سمع حفيف جلبابها يتبعه بصمت كعادتها فالتفت سريعا ليجدها خلفه، أخرج الحلقة من جيب سرواله وأمسك بكفها الصغير متجاهل الرعشة التي اصابتهم وحذرها

"إن خلعتها مرة أخرى لن أسامحك يا ورد هل هذا مفهوم؟!".

هزت رأسها موافقة وتبعته في طريقة إلا أنها هذه المرة كانت مجاورة له لا خلفه لأنه ابطأ من خطواته حتى أصبح مساو لها، وأخذ الحقيبة خاصتها واتجها معها للمنزل.

*

توزع العصير بسعادة بالغة بالصالة الكبيرة الخاصة بالمنزل وتوحة تشاهدها من جلستها الأرضية بغرفتها، صدرت ضحكة خافته ساخرة من توحة

هبلاء!، عبد الجبار لن يترك ورد ولن يتخلى عنها أبدا

توحة كانت واضحة تماما مع نعمات بهذا الشأن قبل قبولها عرض عبد الجبار للزواج كي لا يلتبس عليها الأمر إلا ان نعمات          لم تفهم هذا الكلام جيدا.

راقبتها حميدة وهي توزع العصير بحبور بالغ وضحكة ساخرة على زاوية فمها

"مبروك نجاح خطتك وأخيرا يا نعمات، لكن ألا ترين أن أكثر من عشر سنوات يعد فشل بليغ".

التفت نعمات لها بحدة

"إلا أنه حدث بناهية الأمر وأخيرا يا حميدة!".

تلذذت حميدة بعصيرها ونظرة ماكرة على وجهها، أما نعمات فقلبها كان ينبض بشدة من السعادة وأخيرا اصبح عبد الجبار لها وحدها لا تهديد بعد اليوم، ولا نيران الغيرة التي تنشب بجسدها لمجرد دخوله لبيت الأخرى، انتهى الأمر.. أنتهى.

دلف عبد الجبار بهيبته وهمت باستقباله الا انه التفت وجذب كتف ورد أسفل ذراعه وصعدا سويا إلى شقتهم، جلست فارغه الفاه غير مصدقة هذا الأمر أبدا، لقد اعتبرت ورد ذكرى سيئة في حياتها وانتهي الأمر!.

التوت شفاه توحة على جنب سعيدة بعودة ورد، ومالت حميدة على نعمات المصدومة بقوة.

"لا بأس عبد الجبار لا يستحق كل هذا الاهتمام منك على أي حال".

"اصمتي يا حميدة!".

"كم مرة سألت نفسك عن عبد الجبار يا نعمات، ألم تلحظي كم هو مختلف عن أهل هذا البيت؟".

نظرت لها غير واعيه

"شعرة, ضخامة جسده, شديد البياض عكس كل سكان المنزل!".

زمجرت نعمات بها بأن تبصق الكلمات كي تريحها لكن حميدة تراجعت بأخر لحظة حينما رأت توحة تنظر لها من داخل الغرفة وتركت نعمات دون أي إجابة وذهبت، ربما تحتاج هذه المعلومة يوما ما، سوف يكون أسعد يوم بحياتها يوم أن تطرد عبد الجبار من المنزل وتستريح منه.

****

ينفث الدخان ببطيء وتلذذ من سيجارته البنية ثمن العلبة الواحدة منها يعادل راتب اسرة متوسط عدد أفرادها سته على الأقل!.

"سامي لقد مللت ما الذي نفعله هنا؟"

"لبني راقبي الطريق واصمتي".

سحب نفس طويل مرة أخرى ثم زفرة بنفس البطء وكأنه لا يريد لهذا الطعم الحارق ألا يفارقه ولو للحظة!.

ثم انتبه بجلسته

"ها هي هيا بنا".

نزلت ابنه خالته لبني معه ووقفا بمدخل باب الجامعة حالما أبصروا علياء أخت حميد تخرج مع صديقاتها.

توجهت لبني ناحيتها وادعت الفرح حالما رأتها لأنها تحتاج للمحاضرات لصديقة مريضة لها بشدة.

"سامي سوف يوصلنا لا تقلقي".

نظرت علياء خلفها غير مصدقة سامي حلم كل فتاة وأغنى شاب حرفيا ببلدتهم يقف خلفهم بثيابه شديدة الاناقة ويدية بجيبة بلا مبالاة توجه ناحيتهم، وعرض عليهم الذهاب الي مقهى قريب وتناول شيء ما أثناء تصوير المحاضرات، انبثقت القلوب من عيون لمياء الذي لاحظ سابقا اعجابها الشديد به.

وتبعه الفتاتان إلى سيارته الفارهة

لم يكن على حميد المساس بما هو له، ولم يكن عليه كسر ياسمين بهذا الشكل المهين يجب أن يدفع الثمن غاليا ونقطة البداية هي علياء.. أخته!.

 

 

نهاية الفصل.

 

 



1 تعليقات

يسعدني معرفة رأيك بالفصل أو المقالة

  1. يا نهااااااااااااااااااار عبدالجبار مش ابن توحة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    سامى هيخطف علياء
    ده ذنب ياسمين

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال