الفصل السادس عشر
ج2
"حكاية عبد
الجبار".
هدأ بكائها ولهاثها
قليلا بينما يربت عليها كل من عوض وإبراهيم وأخذ عبد الرازق ذراع حميدة بغلظة.
"منذ متى وأنت
تعلمين؟، ولمَ لم تخبريني".
"كنت أنوي
مساومتها كي تترك لي شقة الزفت ابنك ثم تراجعت لأنني أعلم بأنها لن تنكسر بسهوله،
كنت أخطط لطريقة ليس إلا لكن أعصابي انفلتت مني".
"ابن مَن إذا؟، لا
أصدق أن أحدهم أنزاح عنا أتمنى أن ينزاح الاخرون بلا عودة".
"أمك وحدها من
يعلم".
تحدثت بسخرية فزمجر عبد
الرازق بها
"ابن من إذا هذا
الولد؟!".
"أبني!".
لهثت بشدة تؤكد على
الكلمات نظر إبراهيم له بشرر وربت بحنو عليها
"أحكي لنا يا بركة
أحكي وأخرجي ما بداخلك".
نظرت له بضياع والمه
قلبه لم يرى توحة بضياع من قبل لم تتوه، لم تفقد عيونها بريق العزة حتى في أحلك
لحظاتها الصعبة!.
أغمضت عيونها تغوص بألم
بالغ في ذاكرتها مرة أخرى حتى لو كانت الذكرى الأكثر ألما على الاطلاق!.
***
نظرت جارتها لبطنها
المنتفخة أمامها وعاتبتها
"كل الحمل عليك يا
فتحية أما آن لك الأوان كي تكتفي بالأولاد".
مسحت يديها من العجين
وغطته بقطعة قماشية وهي تلهث أصبحت بالشهر السادس بعد ثلاثة أعوام من ولادة عبد
الرازق استعادت اسمها بالبلدة كأكبر مصدر للبيض والدجاج.
"جلال يرغب
بالكثير من الأولاد".
نطقتها بمرارة لم تستطع
إخفائها وأضافت بأمل وهي تربت بحنان على بطنها
"وادعوا الله من
كل قلبي أن تكون فتاة كي لا تبقي نسيمة وحدها بالحياة من بعدي، فكما ترين لا أخت
لي ولا قلب يحنوا على من بعد أمي".
هزت جارتها رأسها
موافقة
"أنا فقط قلقة
عليك يثقل الحمل عليك كثيرا وهو لا يساعد بأي شيء".
"الحمد لله أنني أستطيع
تدبر أموري فضل ونعمه".
وقفت وذهبت للفرن الخاص
بها وبدأت بإشعاله
"سوف أعد المعمر
للأولاد يحبونه كثيرا".
ثم ترددت قليلا والتفتت
لها
"أعلم أنك محقة لكنك
ترين وضعي زوجي ملهي بالسفر ناقم على معيشتنا وأخوتي لا يودوني سوى بالأعياد،
أولادي هم كل نجاحي وحصادي أحبهم يكثرون من حولي كي لا أكون وحيدة، من دونهم لا
أحد لي".
ربتت صديقتها عليها
ودعت لها بالصحة وصلاح الذرية
"ليرزقك الله
بالذرية التي تعبئ عليك حياتك وتقر عينك يا فتحية يا ابنه نجية قادر يا
كريم".
ابتسمت فتحية لها كثيرا
وراقبتها وهي تعود لمنزلها ثم صاحت
"لا تتناولين
الغداء يا صفيه سوف أرسل لك معمر".
فلوحت له صفية بأنها
موافقة.
وضعت مولودها بعد ثلاث أشهر
وأسمته زهير فرحت به كثيرا وفرحت به نسيمة هي الأخرى التي تربي أخوتها بحب مع
والدتها.
بعد أربعة أعوام أصر
جلال على أن تحمل مرة أخرى
"لقد تعبت كثيرا
يا جلال بولادة زهير وكدت أن أفقد حياتي، سوف ييتم الأولاد وانت لست موجود حتى من
أجلهم!".
لم يستمع لها وأصر،
نظرت له بحزن يملأ كيانها منه، وباعد هو وجهه عنها يعلم أنه فقدها وخذلها وكلما
شعر بابتعادها ربطها أكثر بطفل!.
"سوف أكون معك
وأحضر ولادتك لن تكوني وحدك مثل كل مرة".
"على شرط أن
تقسم!".
تحدته بجمود بالغ
"ما بك يا
فتحية؟!".
"إن لم تقسم لا
طفل لك عندي، تقسم بقدومك يا جلال؟".
توتر حلقة بشدة وأقسم
ورغم ذلك لم تصدقه!
لكنها أخذت قرارها علها
تأتي بأخت لنسيمة المسكينة الوحيدة!.
كتبت له وأخبرته بموعد
الولادة بعد شهرين وقلبها يدق الطبول تريده أن يأتي تريده أن يفي بوعده لها كي تسامحه،
لا تحب أن تحيا هذه الحياة البائسة بداخلها تتمني أن تعود لأول ثلاث سنوات بعمرها
حينما كانت هي وجلال وحدهم والمشاكل التي كانت تلاحقهم وتراشقهم كانت تنتهي بمجرد
أن تغلق عليهم غرفتهم ليلا!.
أما الآن فقدت كل شيء تجاهه
فقط لو يمدها بسبب كي تحبه وتثق به من جديد، أمل جميل ينبثق بداخل قلبها تمسكت به
بشدة.
ما فائدة الحقد والكرة
يا فتحية لا تملئي قلبك به!، سامحي من أجل نفسك ومن أجل أبنائك.
اقتربت الأيام وأقترب
موعد نزوله من السفر وصلتها رسالته فتناولتها بلهفة وأخفتها بصدرها، سوف تقرأها
بعد نوم الصغار جميعا وحدها لابد وأنه يسألها عما يحتاجه الصغار من ثياب، كان هذا
الشيء الوحيد الذي تستفاد من سفرته على أي حال.
دثرتهم جميعا جيدا
وقبلت رأس نسيمة التي تحتضن زهير أثناء نومها وذهبت لغرفتها، فتحت المظروف بلهفة
تقرأ الكلمات التي سوف تخبرها بقدومه وعما يحتاجه الصغار من أغراض، لكنها لم تكن
الكلمات التي انتظرتها!.
لن يحضر!،
ولن يستطيع أرسال المال
كالعادة قبل شهرين
هبوط حاد أصابها، لمَ
تأملت؟
فقط لماذا تأملت؟!!
عنفت نفسها كثيرا لو لم تتأمل به، لو لم تفكر بإعطائه
فرصه لما شعرت بمثل هذا الألم الحارق!، لما شعرت بقلبها الذي يسحق وكأن جلال دهسه
بنعله مرارا وتكرارا، أمسكت بقلبها ومال جسدها للأمام تفقد توازنها، اعتصرت الملاءة
النظيفة الموضوعة على السرير بقوة وانحنت تسند برأسها عليها.
سحقها الألم بشدة حاولت
تنظيم أنفاسها وكبت دموعها لكن الألم كان حارق.. مرعب!، شعرت به يسقط إلى بطنها
وكل ذرة من جسدها، تكورت على السرير بألم بالغ تعض الوسادة.
أنتِ أقوى من هذا يا
فتحية، لم يهزمك مراد ولن يهزمك جلال فقط أنسية مثلما أعدت أن تفعلي أطرديه من
حياتك ضعيه بالمكانة التي هو بها، مكانه اللا شيء!.
عضت أكثر وأكثر على
الوسادة تكتم صرخاتها الحارقة المؤلمة، الألم ينتشر بكل جسدها بلا هوادة أو رحمة
بعد مدة لا تعلم ما هيتها أطلاقا تذكرت شيء هام.
شيء غفلت عنه في عز
حزنها وبؤسها
شيء غال جدا لأنها تعلم
بقرارة نفسها أن الجنين ببطنها فتاة هذه المرة!.
أنها حامل وربما هذا
الألم للمخاض وليس ألم الخذلان!!.
حاولت النهوض فلم تستطع
أبدا، الألم رهيب أقوى من أي مرة، لا يشبه الولادة بشيء!.
مطارق حادة تطرق بطنها
بقوة وظهرها وكل ذرة من جسدها تأن وتتلوي، العرق ينزل عنها بغزارة ولهاثها عال
وكأنها تجلس بالفرن، قاومت كي تذهب لتأتي لنفسها بمساعدة لكنها فشلت وسقطت أرضا،
تبكي وتلهث نامت على جنبها وبدأت بالزحف تجر قدميها التي ترفض الحراك وبطنها
الثقيلة جر وتكز على اسنانها تحاول الصمود من أجل بلوغ الباب كي تطلب المساعدة من
صغارها. فشلت.. فشلت بالزحف بذراعيها لشدة ما تشعر به من ألم، فنامت على ظهرها
تحتضن بطنها بيديها تتلو الشهادتين، ونور حاد أصاب عيونها أفقدها الوعي.
أولادي يا رب أولادي
ليس لهم أحد من بعدي سواك يا رب
لطمات رقيقة مصحوبه
بالبكاء
"أمي أمي أتوسل
اليك ما بك؟ أمي!".
نادتها بلهفه بفم شديد
الجفاف
"أنقذيني".
"الفجر.. ساعتين
ويؤذن الفجر تحملي لا أستطيع الخروج بالطرقات الآن".
لهثت بشدة وبصوت شديد
الجفاف كلسانها
"ل ليس هناك وقت
سوف تموت، لم أعد أشعر بها".
بكت نسيمة بشدة تحتضن
أمها وتنظر حولها بضياع
"أفعليها
أنت".
صرخت غير مصدقة
"أفعل
ماذا؟!".
"أضغطي بطني بكل
قوة لديك، ليس هناك وقت أنقذيها وأنقذيني".
أخذ الكلام كل القوة
التي لديها وحلقها الجاف خذلها وأغمضت عيونها بعد أن فقدت قوتها.
دب الرعب بنسيمة
الصغيرة غير مصدقة ثم ضغطت بطن والدتها للأسفل بكل قوتها إذا ما فقدتها سوف تصبح
هي وأخوتها بلا أحد حرفيا!.
"يا رب".
تضغط بقوة وتلهث وتصرخ
"أنقذهم يا رب،
ليس لي سواك يا رب".
الصراخ والضغط أفاقوا
فتحية مرة أخرى بدأ الأمل يطرق قلبها وهي ترى نسيمة تحاول بكل قوة لديها كي لا
تفقدهم، فسحبت نفس عميق وبدأت بالدفع إلى أن نزل الجنين بالفعل من بطنها.
تلقتها نسيمة الباكية
غير مصدقة تلفها بمنامتها التي ترتديها رفعت فتحية رأسها المنهكة وابتسمت بشدة
"فتاة! أخبرتك
بأنها فتاة".
"لمَ لا
تبكي؟!"
سألت نسيمة بريبه حضرت
كل ولادات والدتها من خلف الباب جميع الصغار كانوا يبكون بقوة وبصوت عال جدا.
"أمي لمَ بسيمة لا
تبكي؟!".
لهثت بشدة وخوف بالغ
"أجلسيني".
ساعدت والدتها التي
نظرت للوليدة برعب بالغ وبدأت بالضرب على ظهرها
مرة
وأثنان
وثلاث
وبعد ذلك فقدت العد،
وفقدت الشعور بيدها من
كثرة الضرب!.
"يكفي أمي يكفي
أرجوكِ توقفي!".
وضعت نسيمة يدها على
وجهها غير مصدقة تبكي بشدة ارتعش الاثنان ووضعت فتحية الوليدة أرضا عارية لزقة دون
ذرة من الحراك لم تبكي قط، ماتت ببطنها وقد كذبت شعورها هذا، أملت بأن تفيق لكنها
لم تفعل.
ظلت الاثنتان يرتعشون
لمدة لم يعلموا ما هي، ظهر نور الصباح وخشيت نسيمة على أخوتها من هول المنظر فجذبت
قطعه قماش بيضاء وبدأت بلف الوليدة بها بيد مرتعشة.
خمشتها فتحية بقوة
"ما الذي
تفعلينه؟!".
"ا الفها يا
أمي!".
"لا تخبري أحد،
إذا ما أخبرت أحد، سوف يأخذونها مني هل تفهمين ذلك سوف تضيع للأبد!".
تراجعت نسيمة بخوف من
والدتها التي لم ترها قط بمثل هذا الوضع فاقدة لأعصابها وعلى وشك الإصابة بالجنون.
لفت أمها الوليدة
وضمتها لصدرها
"ي يجب أن تظل
معنا إذا علموا سوف يأخذوها".
"لا يجب أن نعطيهم
بسيمة أبدا هل تفهمين؟، لقد خسرنا كل شيء كل شيء، لكننا أبدا لن نعطيهم بسيمة هل
تفهمين لن يأخذوها مننا أبدا".
"أمي أنا خائفة من
سوف يأخذها؟!".
"أتركيها يا
نسيمة؟".
قفزت فزعه على يد عبد
السميع الذي أوقفها على ساقيها وأخرجها من الغرفة وانحنى إلى جوار والدته، رؤيته
ضعيفة جدا لكن رائحة الدماء وجزء من أحشاء أمه يتدلى من بين ساقيها.
"أمي أنت
تنزفين!".
"لن أعطيها لهم يا
عبد السميع".
طاوعها بقوة
"مستحيل أن نعطيها
لهم، مستحيل سوف تبقي معنا للأبد".
"أجل أجل لن
نسلمها لهم أبدا سوف يضعونها بالظلام وحدها، أنها صغيرة جدا وبريئة لم تؤذي أحد ما
قط، ما ذنبها بالله عليك ما ذنبها".
ربت على وجنتها بحنان
بالغ
"سوف تبقي معنا كي
نحميها ونرعاها بالضوء".
هزت رأسها بهستيرية
وبدأ باستخراج المعلومات من والدته وتمكن من قص الحبل السري، خرج وأتى بنسيمة
وساعدوا والدتهم بالتنظيف وبدلوا ثيابها ووضعوا بسيمة بحضنها ودثروها.
"أذهبي
وتحممي".
أخذ نسيمة التي ترتعش
كورقة شجر جافة برياح أمشير وأنتظرها بالخارج وعاد الاثنان معا للغرفة، تلفت لجسد
أخته الجامد ووالدته التي تمسك بها وتهلوس، وذهب بأخر ركن بالغرفة وبدأ بالحفر!.
*
مرت ثلاثة أيام تجلس
فتحية أمام القبر الصغير الذي حفرة عبد السميع لأخته، لم يعلم أحد ما بشأنها قط
سوى ثلاثتهم ولم يعلم أحد بأنها وضعت مولودها، عنفت نفسها حزنها من فعله جلال
أفقدها ابنتها.
أصبحت هشة وتمكن
الشيطان منك يا فتحية
اللوم والوساوس هو كل
ما تبقي لها والمرار، بطعم العلقم لا يفارق فمها الجاف، اقتربت من القبر الذي
ساواه عبد السميع بالأرض تماما ووضعت رأسها علها تسمع أي شيء ربما تحدث معجزة ما!،
ربما هي لم تكن ميته!!، لا شيء لا صوت مطلقا.
همت بالجلوس فشعرت بالبلل
يغرق ملابسها نظرت لصدرها فوجدته يقطر الحليب بلا هوادة طفقت الدموع من عيونها
وربتت على الأرض الطينية مرة أخرى.
"الحليب جاهز يا بسيمة،
حليبك يا قلب أمك".
راقبتها نسيمة من
الخارج بخوف
"أمك ليست طبيعية
أبدا من عسانا نخبر؟!".
نظر لها بألم
"إذا ما علم أحد ونبشوا
القبر سوف تفقد صوابها تماما الشيء الوحيد الذي يبقيها بالغرفة وجود بسيمة بها".
نظر خلفه وجر نسيمة من
يدها
"هيا لنطعم أخوتك
قبل أن يبدأ صياحهم ويزعجون أمي".
لم تنم الدموع تقطر من
عيونها فقط، طعم المرار والخذلان ممزوج بالضياع. كيف سقطت بتلك الهوة؟ لا تعلم!
تستنكر حالتها البائسة وعدم قدرتها على السيطرة
على نفسها وحزنها كعادتها!، إلى أن الأمر وكأن هناك فوهه سوداء تبتلعها تماما ولا
تعرف طريقة للخروج منها!.
فشلت بالخروج وبقيت
تراقب القبر الذي أخفاه عبد السميع جيدا وسواه تماما بالأرض الطينية الخاصة
بغرفتها.
دلف عليها، عرفته من رائحته
التفتت له رغما عنها والقرف يملئها منه، لما عاد رغم أنه أخبرها بأنه لن يعود؟!.
وجهه أسود يحمل حقيبة
ظهر صغيرة وأخرى على جانبه، نظرت له نظرة ميته خالية من الحياة فتقدم بتردد بالغ
وأخرج من الحقيبة الجانبية شيء صغير جدا يتلوى، لم تفهم بالبداية لعدم وجود ضوء
كافِ بالغرفة إلا أنه حينما وضعه على السرير خاصتهم عرفت على الفور أنه صغير..
وليد على وجه التحديد!.
نظرت بارتباك بالغ
للقبر وللرضيع وتحركت قدماها المتصلبتين أخيرا
"مَن هذا؟".
عيونه محمرة بشدة ووجهه
شديد الشحوب
"سوف تخبرين
الجميع بأنك أتيت بتوءم سوف يكتب باسمك أنت ويتربى مع الصغير خاصتك".
"أي صغير؟!".
وعصرت بطنها الخالية من
الحياة
"من هذا؟!".
"أبني بشرع الله
توفيت والدته وهي تلده".
جحظت عيونها بقوة ولم تجد
شيء سوى الصراخ، الصراخ بقوة
هجم عليها وأطبق على
فمها جيدا
"إذا ما تحدثت سوف
أطلقك وتصبحين أنت والسبعة أطفال بالشارع يا فتحية، أنه ابني تزوجت من أمه بالحلال
ولم أغضب الله أو أعصي شرعة".
الدموع تقطر من عيونه
رغم أنه كان يرجها ويهزها بعنف بالغ، حالما تركها تراجعت للخلف بشدة جاحظة العيون
شرع الله!
هل هذا شرع الله؟!
أنه رجل ويحق له فعل ما
يريد بالطبع!.
الظلم الذي يظلمه لها
جلال لا نهائي وليس له حدود
جلال يأخذ فقط ولا يعطي
جلال يأخذ فقط ولا
يعطي!
بدأ الرضيع بالركل
والبكاء نظرت له برعب ومن ثم نظرت إلى قبر بسيمة
ابنه مقابل ابنتي
ابنه مقابل ابنتي
هل هذا شرع الله؟
شرع الله بريء منك ومن
ظلمك يا جلال!.
الدموع تطفق من عيونها
بلا هوادة ومالت برأسها على الجدار خلفها وغفت لأول مرة منذ أن وضعت وليدتها تمكنت
أخيرا من النوم.
***
فهم كل شيء من نسيمة
الباكية بالخارج وندم على تسرعه على الفور دلف وجذب الصغير الباكي وأعطاه لنسيمة
"ابدلي له ثيابه
وأرضعيه".
نظرت له برعب
"أرضعه
ماذا؟!".
"أعشاب أي شيء
المهم أن تجعليه يسكت!".
النظرة بعيون نسيمة
أخبرته بأنه خسرها هي الأخرى لم يعد الرجل الأول بحياتها منذ ذلك اليوم، أخذت
الصغير الباكي بجمود وسارت للمطبخ ونظر عبد السميع هو الأخر له بجمود ولحق بأخته.
وصل للغرفة ليجدها
نائمة
فجلس يبكي وينتحب على زوجته
التي توفيت وعلى فتحية التي لن تقبل بالصغير الذي كان السبب في ضياع ابنتها.
يبكي الصغير وهي لا
تنظر نحوه توسل جلال لها بأن ترضعه لكنها لا تجيبه ولا تنظر ناحيته، خرجت من
الغرفة تمارس أعمالها اليومية بروتينيه قاتله وكأنها شبح جسد ميت خال من الحياة.
الصغير يتلوى ويبكي
رافض للرضعة أو اللبن الذي اشتراه له وصراخة يفقد جلال أعصابه فيكسر ويحطم ويقسم
لكن فتحية مثل الجبل لم تهتز ولو لشعرة ولم تلتفت له ولو لوهلة!.
مر يومين ووضع جلال
الصغير كعادته بنفس غرفة فتحية عل قلبها يلين قليلا، غفت وهي تراقب مكان بسيمة ثم
استيقظت على الم بالغ بصدرها وكأن به كتله من الحجر!.
تألمت منه ومن ثم نظرت
للصغير يبكي ولكن ليس بقوة فقد قوته وصوته بدأ يخفت كثيرا.
وقفت مترددة وذهبت له
بخوف، هل سوف يموت جلال سوف يقتلك انت الآخر.
لكن صوت لم يسمعه أحد
غيرها فقط أخبرها
بل انت من سوف يقتله يا
فتحية
شعرت بألم بالغ في
قلبها وخوف ورهبه من فكرة كونها قاتلة!
يئن ويركل بضعف بالغ لا
حول له ولا قوة!
رفعته لصدرها فالتقطه
على الفور وكأن الحياة دبت فيه من جديد يلتهم بقوة وأخيرا وجد ما يبحث عنه!.
يرضع ويرضع وتمرر فتحية
أصبعها على تفاصيل وجهه الغريبة عليها بشرته حمراء جدا لكثرة البكاء ولون شعرة
أفتح معاكس للسواد القاتم الذي يولد به جميع أبنائها.
لا بد وانه لون شعر
أمك!
دلفت نسيمة ونظرت لها
غير مصدقة قبلت رأسها ثم سألتها
"ما اسمه يا
أمي؟".
"عبد الجبار"
ثم ولأول مرة منذ أن
فقدت بسيمة ابتسمت للرضيع بحب
"لأن الله جبر به
خاطري المكسور، أنه عبد الجبار".
نهاية الفصل
فصل رائع لرواية رائعة لكاتبة اروع
ردحذف