الفصل الثامن عشر
حكايات بيت الرحايمة
عوده الغائب
(1)
ماذا؟
كيف؟!
مَن؟!!
كل تلك الأسئلة الغبية
حامت برأسه مرارا وتكرارا وحمد الله بعد وهله أن الصدمة أفقدته النطق!
عيناه جاحظة بشدة غير
مصدق بالمرة ما يحدث معه، أراد أن يخبرها بأن تعود حيث أتت لكن تجمد لسانه كسائر
أعضاء جسده.
رواية حكايات بيت الرحايمة بقلم هالة الشاعر |
انحنت رأسها بشدة
وتهدلت خصلات كعكتها العلوية حول وجهها تحتضن بطنها بضعف.
ترى ما مصير هذا الصغير
الذي لا يريده أحد؟!
"يا أستاذة أين
السيارة؟!"
الصوت النزق للعامل
الذي يجر عربه ياسمين الممتلئة عن آخرها أفاق إبراهيم من صمته وأشار للرجل على
السيارة ومن ثم فتح الباب لياسمين بصمت فركبت منحنيه الرأس مصدومة بشدة لم تتوقع
رد الفعل هذا أبدا، ما إن دلفت إلى مؤخرة السيارة حتى أسندت رأسها بتعب بالغ
الرحلة طويلة وهي متعبه للغاية الحمل يرهقها بشدة ويستنزف كل قوتها.
ركب أخيرا إبراهيم بعد
أن انتهى من وضع الحقائب إلى جوارها وانطلق السائق.
راقبها غير مصدق ان هذه
هي!
شديدة الشحوب
شديدة النحول
تثاقلت رأسها وغفت فأمسك
برأسها سريعا قبل أن تصدم بالزجاج وخلع سترته ووضعها أسفل رأسها حتى تنام براحة
أكبر.
ولسان حاله يقول
سترك يا رب من هذه
الورطة.. سترك يا رب
*
استيقظت فجأة متألمة
ترغب بالذهاب للحمام، فتوقف السائق بهم في أقرب استراحة وجدها، دلفت ياسمين مسرعة
للحمام وهاتف هو عوض الذي ألح بالاتصال عليه مرارا
"اين انت يا إبراهيم
الجدة سألت عنك أكثر من مرة!"
بالطبع قلبها يشعر بشيء
ما
"عوض لا تكثر
الحديث ياسمين راسلتني وهي معي الآن ساعتان ونكون لديكم بالمنزل"
"تقول
الصدق؟!"
"أجل.. أسمع تأكد
من وجود دواء الضغط والقلب الخاص بتوحة"
"ماذا هناك ما
الأمر؟!"
عض شفتيه وهم بأخباره إلا
ان ياسمين ظهرت بوجهه في تلك اللحظة فتمتم من بين أسنانه
"فقط استمع لي".
"انتهيت؟"
سألها بنزق
"لمَ تعاملني بهذا
الشكل"
"لمَ عدتِ؟"
سحبت نفس عميق قلق واحتضنت
بطنها بحركة لا إرادية تلازمها مؤخرا
"تخليت عني؟!"
الحزن والآسي بصوتها لم
يجعله يتراجع غضبه منها بالغ ولا شيء سوف يمحوه بسهولة.
انحنى وزمجر بوجهها من
بين أسنانه
"تسللت وهربت
كاللصوص ولم تحسبي حساب لجدتك التي تعلمين أن روحها متعلقة بك، تخليتي عنا، وتركتِنا،
وأخفيت!".
وأشار بغضب بالغ بإصبعه
نحو بطنها
"والآن قررت
العودة؟!"
الغضب والحزم بصوته
بالغ رفعت رأسها وسألت والدموع بمقلتيها
"ربما يجب أن أعود
من حيث أتيت".
رفع كفيه عاليا
"لقد رفعت يدي عنك،
أنت الآن امرأة وقريبا سوف تصبحين مسؤولة عن حياة أخرى لم يعد لي مكان
بحياتك".
أتجه بخطواته الغاضبة
الي السيارة ومن ثم فتح الباب خاصتها وما إن دخلت حتى صفقه وعاد مكانه ولم يتحدث
أي منهم بعد ذلك.
***
يسحب نفس تلو الآخر يركله
بتلذذ وهدوء مستلقي على أريكته يضع قدم فوق الأخرى والده وحميد وحتى علياء دفعوا
الثمن، لا أحد منهم يتفهم مشاعرة يشعر بتملك بالغ ناحيتها.. هي تخصه وحدة ولا أحد
آخر، ولم يكن عليهم بالعبث معه والتفريق بينه وبينها بشتى الطرق، يقاومهم منذ أن
كان بالسادسة عشر والده ثم حميد الذي خطفها منه كل هذا أنتهى الآن.
وكل منهم سوف يدفع
الثمن!
والده لسبب يجهله روحه
متعلقة به ويتمني لو يصبح مساعده، لكن بسبب ياسمين نفر سامي منه رغم كل العطايا
والهبات والفرص التي منحها له والده، إلا انه لم يتقبل أكثر شيء تمناه بحياته على
الاطلاق!
سوف يسافر ويتركه وهذا
سوف يكون أكبر عقاب له وكذلك علياء أما حميد فسوف يمر عليه يلقنه درسا ويريه أخته
التي مرغت رأسه بالوحل، ويعلمه كيف يمكن أن تكون الفضيحة الحقيقة!
...
تحتضن كل من ساقيها
بقوة وقضمت ظفر ابهامها حتى أدمته، لا تدري ما الذي عليها فعله تشعر برجفه في
قلبها مصحوبة بخوف وقلق لا ينتهي!
لطالما كانت
جريئة وقوية لكن جرأتها كانت لها حدود بالنهاية!
لمَ تخطتها هذه
المرة؟
لا تعلم.. لا
تعلم أبدا كل شيء أغواها وسحبها إلى تلك الهوة السحيقة بلا عودة.
رفعت رأسها للأعلى
وضربتها عدة مرات بقوة للخلف، ما الذي عليها فعله الآن ما التصرف الذي يمكنها اتخاذه
حقا؟
لا تعلم!
لا تعلم ولا يمكنها أخبار أي كان!
الاتصالات المتكررة
من يمنى والتي كانت تستجيب لها بمنتهى البساطة حتى أخذتها يوما إلى شقة سألتها باستغراب
بالغ.
"ما هذا
المكان ألن نجتمع بالمقهى كعادتنا؟"
جعدت شفتيها
باشمئزاز بالغ
"ألم
تسأمي منه يا علياء الكل مجتمع هنا".
"منزل من
هذا؟"
"أنها شقة
سامي".
جحظت عينيها واحمرت
وجنتيها بشدة ورجعت خطوة للخلف
"هل
جننت؟!".
انقلبت رأس
علياء للوراء من شدة الضحك حتى أنها سعلت بشدة
"يا الله لو
ترين وجهك! ما بك يا متخلفة؟، أخبرتك بأن الكل هنا!".
أنفتح الباب
أثناء تراجع علياء للخلف وفتحت خادمة أسيوية انحنت بأدب لهم واتضحت الاصوات
بالداخل كثيرة والضحك عال، دلفت يمنى وسحبتها من يدها لتجد معظم أصحاب يمنى
بالداخل حتى أخو يمنى كان موجود فهدأت قليلا وإن كانت تسير بحظر.
حالما دلفت يمنى صاحت بهم تتوعدهم إذا ما كانوا
طلبوا الطعام بدونها وامسكت بالقائمة على الفور، فتيات وشباب يجلسون بأريحية تامة يتحدثون
ولا شيء غريب يحدث، تكورت على نفسها إلى أن أتي سامي يجلس مقابل لها يشعل السيجار
خاصته.
"ما بك
لمَ وجهك أصفر؟"
لاحظ!
"لا لا
شيء ل لمَ لم نتقابل بالمقهى؟!"
لوح بيده بسخافة
"ألم تملي
هذا المكان!، لقد طلبت لك الطعام لاحظت بأنك لم تطلبي شيء"
شعرت بسخونة في
وجنتيها لاهتمامه
تكرر اللقاء ما
بين منزله والمقهى ولم يحدث أمامها شيء مشين، لم يشربون مكيفات أمامها أو فعلوا
شيء غير لائق فبدأت تهدأ وتعتاد، وصلتها رسالة منه
(الإفطار لدي
بالغد)
تسارعت ضربات
قلبها بعنف داخل صدرها وتجهزت للذهاب باليوم التالي طرقت الباب وفتح هو وجفونه نصف
مغلقة دلفت بتردد
"آسفة
يبدوا أنه لم يأت أحد!، سوف أذهب لإحضار شيء ما!!"
أوقفها بيده
بإهمال
"أنهم
بالطريق أطلبي الفطور لي فأنا أشعر بجوع بالغ سوف أذهب للاستحمام المنزل كله
لك".
أغلق الباب ومن
ثم غادرها دلفت للمطبخ كي تأتي بقوائم الطعام اللانهائية لديه إلا انها قررت صنع
فطور له بيدها أفضل، فتحت الثلاجة ووجدت الكثير من المكونات التي تصلح لتحضير فطور
شهي، صحيح أن خبرتها بالمطبخ محدودة جدا إلا انها سوف تحضر هذا الفطور له.
خرج من الحمام
منتعش ورأسه مبلول وذقنه حليق ذهبت أنفاسها عنها حينما رأته ثم انتبهت سريعا للبيض
الذي أوشك على الاحتراق جذب كرسي طويل وجلس يتناوله بتلذذ
"هذا
يخبرني بأنك سيدة منزل ممتازة، لم يكن هناك داع لتعبك".
توترت بخجل
واضح
" أ أنت
كنت جائع وخشيت أن يتأخر الفطور".
وضع لقمه بفمه
ثم وقف وذهب لها بجوار الموقد
"سوف أحضر
لك بيض بالخضروات سوف يعجبك للغاية".
توترت بشدة
لاقترابه ورؤيته يقطع الخضروات بمهارة وكأنه طاه محترف
"السر كله
يكمن بالتقليب الجيد وهنا يكتسب الخضار النكهة".
التف خلفها وجذب
يدها فوق مقبض المقلاة وبدأ يمرجح الخضراوات بالهواء عاليا وتصاعدت النيران فصرخت
ورجعت للخلف أصدمت به ليمسك خصرها بقوة محاصرا إياها مغمغم بصوت رخيم
"لا تخشي
النار لن تحرقك"
لكنها أحرقتها
تماما!
تكرر اللقاء لم
يعدها بشيء وكلما حاولت أن تسأل فقط
يخبرها بأن تثق
به
كان أخبرها
مرار وتكرارا أنه يكره متحجري الفكر لكن مستقبلها كله سوف يتدمر إن لم يتزوجها
لن تذهب مرة
أخرى لن تذهب
لكن ماذا لو
غضب منها ورحل كيف سوف تتصرف بهذا الشأن؟!
من تساهل في حدود الله كان فريسه سهله للشيطان
من تساهل في حدود الله كان فريسة سهلة للشيطان
من تساهل في حدود الله كان
فريسه سهله للشيطان
تلك الجملة
التي يكررها عوض بلقاءاته التي لم تلقي لها بال من قبل تنخر برأسها!،
لو ما ذهبت لمنزله تحت أي مسمي لمَ حدث أي من
هذا، لمَ كانت بهذا المأزق الآن!!
ضربت رأسها
للخلف مرة أخرى
غبية
غبية
غبية
صوت أشعار
أفزعها فهذا هو حالها الآن كاللص كل شيء يفزعها ويخيفها تماما
هوى قلبها
بصدرها حينما رأت اسمه
"أنتظرك
الآن"
فقط هكذا دون
صباح الخير أو أي شيء عليها بمواجهته الآن!، ارتدت ثيابها بارتعاش وخرجت شاحبة،
الخوف يفتك بها فتك وعليها بمعرفة متى سوف يتزوج منها اليوم!
****
تنظر له بخيبة
أمل كبرى، لم تتوقع هذا في أحلك أحلامها ظلمة وضراوة حينما انتظرته أسفل منزله وهو
عريس وأتى معها باستسلام، ظنت انها انتصرت وأن حبهما حقيقي وكبير وانتصر كل منهم
على عائلة حميد.. انتصرت هي رقية الفتاة البسيطة بكل شيء على ياسمين طاغية الجمال
والانوثة والثقافة والشهرة، انتصرت وتركها من أجلها.
لكنها كانت
مخطئة جدا، حميد بعيد عنها بُعد السماء عن الأرض منذ أن عاد معها، عاد بجسده فقط
اما عن روحة وقلبه فظلا مع ياسمين وبلدته.
ورغم انه مجرد
شبح لما كان عليه، لازالت تحبه وتتمسك به على أمل العودة، على أمل أن يستيقظ ويراها
مرة أخرى رُقيته الصغيرة مثلما أعتاد أن يناديها رغم أنها هي من يكبره بثلاث سنوات!
حاولت معه مرة
بعد مرة تتمنى عودته مرة أخرى إلا أن رده كان
"يمكنك
طلب الطلاق لا ألومك فأنا لا أطيق نفسي ولا أتخيل أنكِ تريدني بعد الآن".
سهم!
سهم أنطلق
بسرعة البرق!
مجرد الكلمة بالهواء كادت أن تصرع قلبها الصغير ألا
يعلم؟،
لا يعلم من هو؟،
ومقدار معزته بقلبها لا يعلم لذلك تفوهه بهذا الهراء!
تلصصت عليه من
خلف الستار كعادتها فهو أصبح لا يجالسها هي ووالدتها مثلما أعتاد ودائما ما يختلي
بنفسه
يشاهد صورها
والفيديوهات الخاصة بها مرارا وتكرارا، خمشت القماش بيدها من ثم غطت أذنها بقوة
تود لو تصرخ بقوة من شدة الألم وصوت منافستها وضحكتها الرنانة يتردد مرة بعد أخرى
بأذنها وصدى الصوت لا يمكن أن يمحى بسهولة أبدا...
****
رغم وجودها هنا
أكثر من مرة إلا ان يدها ارتعشت كثيرا أثناء طرق الباب
هل نظر لها الحارس باشمئزاز؟!
أم أنها أصبحت متشككة
بكل شيء من حولها؟، شعور الغثيان لا يفارقها ولا ليس لأنها تشك بكونها تحمل بأحشائها
جنين سفاحا من سامي بل لأن التوتر يفتك بها فيجعل معدتها تنقلب رأسا على عقب
وترتعش وتهتز وتعصر رأسها مرارا ة وتكرارا
كيف سقطت بهذا
الفخ؟!
هي من ظنت أنها
مستحيل أن تكون مثل الفتيات الغبيات التي تسمع عنهن كل يوم بالحوادث والقضايا
المعتوهة فقط من تعطي رقبتها وشرفها لوغد ما لا أحد يستحق!
هكذا كانت
تتشدق بنفسها مع رفاقها دوما سقطت شر سقط لكن كيف؟
كيف؟!
أجل.. أجل
من تساهل في حدود الله كان فريسه سهله للشيطان
هكذا سقطت في
تلك الهوة تتمنى أن تموت بأرضها
أو يعود بها
الزمن
أو تحدث معجزة
من السماء فقط تنقذها من البلاء الذي سقطت به
اعتصرت أحشائها
بألم بالغ وارتفعت العصارة الصفراء بحلقها بقوة لكنها تماسكت.
أنفتح الباب وظهر
وجهه جامد خالي من التعبير ناظرها من الأعلى للأسفل ثم دلف وتركها ودلفت هي بخطي مرتعشة
وأغلقت الباب بألم بالغ، تعنف نفسها لو لم تدخل من هذا الباب لمَ صار بها أي من
هذا، لكانت مرفوعة الرأس مغرورة مثلما اعتادت.
جلس بأريحية
ووضع ساق فوق الأخرى يراقب شحوبها الشديد، أخرج سيجارة ودخنه بشوق كعادته ثم أخرج
نفسه ببطيء لقد استفاقت جيد هو الآخر.. مل!
"متى سوف
تتقدم لي؟"
حاولت أن تكون
قوية لكن صوتها خرج مرتعش من فمها كجسدها
لو لم تدلفي الي هذه الشقة لو لم تتبسطي في حدود الله لمَ حدث أي من هذا
الصوت الناقم
بداخل رأسها يوبخها مرة أخرى
اتسعت حدقتيه
ثم ضحك كثيرا مرة واحدة بعد أن فشل بكبتها، ضحك بقوة لدرجة أنه سعل بشدة لقوة
الضحك وللدخان الكثير الذي استنشق دون سابق انذار
سعل وسعل وسعل
ومن ثم أخذ يضحك أكثر ويضرب على فخذته غير مصدق غبائها أبدا!
"يا الله
كنت اظنك تدعين السذاجة أنك ساذجة بحق!!"
طفقت دموع
الضحك بعيونه بقوة ومسحها أكثر من مرة لتهوى هي إلى أقرب كرسي تضع ثقل جسدها النحيف
عليه
"لمَ .. لمَ
إذا فعلت ما فعلت ي يجب أ أ أن تتزوجني، تزوجني ثم طلقني!".
النصف الأخر من
السؤال توسل هي علياء ذات الانف الشامخ تبكي وتتوسل!
"أنت حقا
متخلفة!"
لفظ الكلمة باشمئزاز
بالغ وألقى بسيجارة ومن ثم انقض على مؤخرة عنقها وجذبها بعنف إلى الداخل بإحدى
الغرف، قاومته فأخرسها بقرف بالغ
"لا تخشي
شيء لقد كنت أرغم نفسي عليك".
جمدت بمكانها
وعيونها تجحظ أكثر وأكثر للطعنات التي تتلقها واحدة تلو الأخرى ما الذي يتفوه به؟!،
كيف يذبحها هكذا ولمَ يفعل ما يفعله بها؟!
دلفت إلى غرفة
بالقوة في أخر الممر وفتح الإضاءة وتمنت لو أصيبت بالعمي قبل أن ترى ما رأته أغمضت
عيونها بقوة على دموعها فضغط كل من وجنتيها بقوة بالغة صارخا بها بجنون
"أنظري!!!"
يتبع....