الفصل الحادي والعشرون
(صديق
توحة!)
(1)
يقف
بمنتصف الغرفة ويضع كل من كفيه بخاصرته ويحدج بكل من جدته وكفيله بشر مطلق!
"ما
الذي تفعله هنا؟!"
أشار
الشاب نحوه بإصبعه يشتكي للجدة
"أرأيت
يا توحة هذا ما أخبرك عنه، قليل الذوق ولا يعامل الرجل الذي يعمل لدية وأفضاله
عليه بشكل لائق"
حكايات بيت الرحايمة |
غمغم
بكبر وهو يعدل من ياقة قميصه
"عيب
يا سميح ما هذا الذي تقوله؟، هذا البيت بيت فهد مثلك تماما!"
التفت
سميح حوله بغضب بالغ، الغرفة تضج بصغار المنزل ملتفون حول فهد يتناولون الحلوى منه
بحبور
"إذا
ما وجدت صغير واحد بالغرفة أقسم أن أفتك به!"
الزمجرة
الغاضبة التي هدر بها سميح جعلت الصغار يركضون خارج الغرفة بسرعة البرق!
لوح فهد
بخسارة على الصغار الخائفون
"يا
سخيف!، اتيت بها من أجلهم لمَ أخفتهم بهذا الشكل؟!"
لازال
سميح على حالة يتخصر بغضب ثم فجأة لوح بوجهه
"هل
أنت عملي الأسود بالحياة؟!، ما الذي أتى بك؟!"
"سميح!!"
عجبت
ياسمين منه بشدة لتعامله بغلظة مع ضيفة، التفت خلفه وقد نسي وجودها تماما
"أجلسي
يا ياسمين استريحي"
أجلسها
سميح على الاريكة المرتفعة ودلف إبراهيم يسلم على فهد بأدب وذهب إلى جوار ياسمين
لكن فهد ظل خفيض الرأس فعاداتهم مختلفة وليس معتاد على الاختلاط.
دلف عبد الجبار وعوض بعد انتشار خبر وجود ضيف من
جنسية أخرى بالمنزل
"يا
ورد؟"
نادت
الجدة ورد التي دلفت على استحياء
"ناوليني
العلبة البنية والصندوق الأسود من الخزانة"
ضيفت
الجدة فهد الذي أعجب بالشوكولا كثيرا وقلب الغلاف ليرى الاسم ثم ارتفع حاجبه
الأيمن عاليا!
ضحكت
الجدة
"ابن
صديقة لي ارسها من المانيا"
هز رأسه
مستحسن ثم ناولته واحدة من العلبة السوداء فأشار بفرح
"هذه
أعرفها جيدا ومن سويسرا عالمية أنت يا توحه!"
ضحك
الحضور عليه وعلى بساطته مع توحة
"يا
ورد ناوليني العلبة الأخرى من الخزانة"
اهدته
الجدة العلبة وأقسمت علية بألا يرد هديتها فأخذها بحبور ومحبه
"من
يومك صاحبة فضل وخير"
غمغم
بمكر وهو ينظر لسميح يغيظه ضرب سميح فخذه ووقف وأشار بكبر لفهد بإصبعه بأن يتبعه،
فمال على توحة يهمس لها
"إذا
ما سمعتي صوت ضرب لا تتأخري على، بالله لا زلت صغير!"
ضحكت
توحة بشدة عليه وهرع عوض إلى جوارها حالما خرج
"يا
جدة من هذا؟، ولمَ لم تعطينا من هذه الحلوى من قبل؟!!!"
*
وقف به
في ساحة المنزل الخارجية ولازال على حاله غاضب بشدة
"سؤال
واحد يا فهد وأجبني عليه دون مراوغة، ما الذي أتي بك؟"
ضم فهد
شفتيه
"توحة"
التفت
سميح له يعض شفتيه من الغيظ
"كتبت
كتابك أو م .. مم"
فصحح له
فهد
"مِلكه"
فلوح
سميح بنزق بالغ
"أجل
هذه.. وتركتك معرس!، لمِ تركت عروسك التي انتظرتها عام كامل؟، فرحك بعد أسابيع
قليله ما هذا التهريج؟!، تركت الشركة والمسؤوليات خاصتنا لمَن وأنا وأنت
هنا؟!!"
ذهب
المزاح عن وجه فهد تماما وكف عن مشاكسته وغمغم بكلمه واحدة
"طَلقت"
بهت سميح
على الفور وتهدلت كتفاه
"ماذا؟
كيف هذا؟!
لم تكمل
أسبوع حتى لمِ طلقتها؟!"
حك فهد
رقبته بحزن
"هذا
ما حدث سميح وهاتفتني توحة تبارك لي وتدعوني أنا وعروسي للزيارة فعَلمت بالطلاق وألحت
علي بالنزول إلى مصر بدلا من المكوث وحيد"
ثم مرر يده
بشعرة بتوتر
"الحجوزات
الخاصة بالفرح والسفر وشهر العسل والفندق جعلتني اشعر بالاختناق فتركت كل شيء
واتيت"
فرك سميح
وجهه غير مصدق أبدا فهد ينتظر هذه العروس منذ عام كامل بشوق ولم يرضي بأي فتاة
سواها منذ أن راها بالرؤية الشرعية!
ضغط على
كتفه
"لا
بأس خيرا فعلت أن أتيت، أنا سوف أهتم بكل هذه الأشياء لا تقلق، لماذا لم تخبرني يا
فهد؟"
"أعلم
بأنك سعيد وتنتظر أخبار من ابنه عمك فلم ارغب بتعكير مزاجك"
"لن
أثقل عليك الان يا غليظ لكن لي حساب آخر معك هيا بنا، لكن أولا المنزل يضج
بالفتيات"
جحظت عيون فهد بشدة فلوح سميح أمامه بأن ينتبه
له ويدعه يكمل كلامه
"لن
أستطيع اخفائهم فالمكان هنا مشترك تماما وشيء آخر توحة عنصرية تفضل الفتيات على
الشباب فلا تدخل بمقارنات فاشلة منذ الآن"
ضحك فهد
"سوف
التزم بغرفتي"
"رأى
سديد فأنا لست متفرغ لك بالمرة"
وذهب
وتركه خلفه
تبعه فهد
خفيض الرأس متجه إلى غرفة توحة طالبا من عوض أن يتنحى من مكانه!
خرج سميح
أمام المنزل ليلتقط أشاره أفضل ويبدأ بإلغاء حجوزات فهد محاولا تجنيب صديقة أقل
قدر من الخسائر المادية يكفيه المعنوية.
"أجل
جمال وأعطيني رقم الهاتف الخاص بمدير الفندق وأنا سوف أتفاهم معه إن لم يقبل إلغاء
الحجز".
يلف
بدوائر وما إن التفت حتى اصطدم برحمة!
"أسف.
أه أه"
فرقع
بأصبعية يحاول تذكر اسمها
فعضت
نواجذها بحنق بالغ، له عشرة أيام بمصر يدلل بياسمين حد فقئ المرارة! ولا يعلم ما
هو اسمها حتى؟!
انتفخت
فتحتي أنفها بغضب بالغ واتسعت عيونها هي الأخرى بحنق وهو على حاله يحاول تذكر
اسمها فبصقت الكلمة بغضب
"رحمة"
"بالطبع
بالطبع ابنه عمي عبد العزيز الكبرى.. طبيبة العائلة!"
حرج بشدة
منها ووقفت هي تعض شفتها السفلى بحنق بالغ
رمش
بتوتر
"تريدين
شيء؟!"
"المرور..
تسد فتحه الباب!"
"أه
تفضلي تفضلي"
دلفت
رحمة مرهقة بشدة فرأتها توحة ونادت عليها فورا
دلفت
للغرفة متهدله الكتفين
لا بد
وأنها تريد قياس الضغط لجلالة الملكة! أو شيء من هذا القبيل!!
"حمد
لله على سلامتك يا قلب ستك"
ووكزت
فهد في فخذه
"ابنه
عبد العزيز ابني الكبرى طبيبة، فخر عائلة الرحايمة"
رفعت
رحمة عيونها فرؤيتها ضبابية بسبب الإرهاق والمبيت بالمشفى الليلة الماضية لتجد شاب
غريب تماما عنهم
أما فهد
فلم يرفع رأسه واحمرت أذناه بحرج بالغ
ثم أردفت
الجدة بحبور مبالغ به
"أتذكر
الإوزة والبط الذي ارسلته لك وأحببته كثيرا أم رحمة من تربيه، طيورها الذ وأطيب
طيور بالبيت"
ليتني مت
يا رب ليتني فقط أموت الآن!
"أخبري
نعناعه بأن تجهز لي بط وأوز أكبرهم وأفضلهم وأنا من سوف يطهوه لا تجعليها تطهوه
فهمتي يا رحمة؟"
كبتت
قهرها وهزت رأسها بطاعة وانصرفت من أمامهم تنفذ أوامر جدتها
أخبرت
أمها ومن ثم ارتمت على سريرها تنظر للسقف بضبابية ممزوجة بضياع.
تقدم لها
عريس والده غني جدا، وأبنه فشل حتى بالتخرج من المدرسة الصناعية ويريد شراء طبيبة
لأبنه كي يفخر بها وسط العائلة بأن زوجة ابنه طبيبة!
رفضت
الفكرة رفض قاطع بالطبع شاعره بالمذلة والمهانة لكن في لحظة وسوس لها الشيطان بأن
تستسلم وتترك الأحلام والطموح الذي لم يدر عليها أي شيء وكل تعب خلفها وتتزوج
وتريح والدها من عبئها، لتفاجئ بالوسيطة تخبرها بأن أخيه عروسه أتت بجهاز خيالي
حينما ذكرت بعض الأشياء أمامها أوشكت على فقدان وعيها!
حتى
الاستسلام ليس متاح لي فشلت حتى بالاستسلام وترك كل شيء خلفي!
*
دلفت أم
سعيد وابتسامة عريضة على وجهها تشعر بانبهار لوجود ضيف غريب بينهم وسلمت الجدة
مفتاح وانحنت تهمس لها بشيء ثم انصرفت.
سلمت
الجدة مفتاح لفهد
"هذا
مفتاح شقة ابني عبد العظيم رحمة الله عليه استرح ونم من عناء السفر حتى أعد الطعام
لك هيا يا ولدي، يا عوض دل فهد على شقته وأحضر له مياه معدنيه"
شكرها
وصعد للراحة وأمرت الجدة الكل بأن يتجمعوا معا على الغداء ترحيبا بضيفهم.
****
تراقب من
النافذة سميح وهو يجيء ويذهب يجرى محادثاته الهاتفية أمام المنزل
"إذا
ما كنت أنوي تزويج علياء لأحد من أهل هذا المنزل فسميح هو المناسب"
فسميح
الوحيد تقريبا الذي أوضاعه المادية جيدة بهذه العائلة البائسة
ابن
أخيها كان يرغب بعلياء لكنه ابله سوف يضيع كل شيء من بين يديه وأمه تتحكم به
تماما، لا فرص جيدة أمامها إلى الآن.. تركت كل من حميد وعلياء بمنزل ابيها الجديد
بحجه فرش البيت إلا أن علياء كانت تتعافى من كدمات وجهها.
اللعينة
ياسمين تعميه عن فتيات المنزل سميح لم يتركها منذ عودته لو لم يكن مدله بحب تلك
الفاسقة لزوجته لعلياء وارسلتها خارجا معه بعيدا عن عيون سامي.
أصوات
جلبه تكررت مرة أخرى بجوار منزلها ففتحت الباب على حين غفلة تزمجر بعوض
"ما
هذه الضجة؟، منذ الصباح وأنتم تشيعون الفوضى ألا احترام لقاطني البيت؟!"
حمد عوض
ربه بأن ضيفة دخل وهرع يهمس لها
"يا
زوجة عمي بالله عليك لا تخزي سميح في ضيفه!"
التوت
شفتها ساخرة بشدة وهي تمرجح رأسها باستخفاف واضعه كفها بخاصرتها
"أي
ضيف هذا؟"
"الكفيل
خاصته!"
وقفت حميدة
باعتدال واستفسرت من عوض بكل التفاصيل التي تريد معرفتها ثم دلفت وأغلقت الباب
خلفها بهدوء وفكرة جهنمية بدأت تتبلور في رأسها لو نجحت، لأخفت علياء من وجه سامي
للأبد!
أمسكت
هاتفها واتصلت بها فورا
"علياء
ارتدي ثياب أنيقة وأحضري للمنزل في الحال"
*
له عشرة أيام
بعيدا عنها وبدأت فجأة تفقد أعصابها مرة أخرى منذ أن علمت بحمل ياسمين،
ياسمين حامل سوف تعطيه طفل
شيء لن
تستطيع هي فعله مطلقا!
توسلت له بأن يعود أكثر من مرة ببكاء ونواح شديد
فصرخ بها لأول مرة بحياته
"لا
أستطيع العودة الآن أفهمي.. أقسم إن نزلتي الي البلدة يا رقية سوف تكون النهاية
بيننا، لدي أمور هنا يجب علي حلها، الكون لا يتوقف عليك!"
صراخه
كان مرعب وكأنه شخص آخر غير ذلك الذي عاشرته لأكثر من ثلاث سنوات شخص غاضب يذكرها
بذكريات مريرة.
ضاع منها
ضاع وانتهي الأمر
وصوت آخر
يغلب على نواحها
لم يكن
لك بالأساس كنتِ تعلمين أن هذا ما سوف يحدث حينما تأخذين شيء لا تملكينه!
*
ينظر
للسقف جديد مطلي حديثا، الرائحة النفاذة للدهان قوية لهذا لم ينتقل جدة حميد
الكبير للمنزل بعد لأن رئتيه لن تحتمل تلك الرائحة.
أرسل
سامي له ثلاث فيديوهات لعلياء وهي تدلف وحدها للشقة
"أخبرني
سميح لمَ تدخل فتاة شقة شاب أعزب وحدها؟!"
"هل
تعلم كم مرة توسلت من ياسمين أن تلاقيني بأي مكان تختاره، أتعلم ما كان ردها؟ في
معظم الأحيان صفعة!"
وآخر
فيديو قسم ظهرة تماما وجعله منحني، أن ترى أختك مع شاب هو اسوء شيء ممكن أن يحدث
لك على الاطلاق
ظلم عائلته وقهره طوال عمرة مؤلم..
وفقدانه لياسمين حب حياته مؤلم..
وضياع
شرفة ألم آخر تماما!
كل مرة
كان يضرب علياء،
أول مرة يضربها على الاطلاق رغم أنه أخيها
الأكبر لم يكن له شأن بها ولم يكن يتدخل، مرة ضربها وأخرى كسر أثاث الغرفة وبعد المقطع
الأخير ضرب رأسه بالحائط مرات فقد عددها وعلياء هي من أنقذته.
"فقط
أقتلني أو دعني أقتل نفسي!"
توسلت له،
الرعب والخوف ينهشون بها نهش وهو شعور جديد تماما عليها لم تكن مستضعفة يوما ما
لكنها اليوم تحت وطئه هذه الكارثة لا ترغب بشيء سوى الموت، سامي مختل تماما ولن
يقف بوجهه شيء!
"ما
رأيك سوسو أن أنشر الفيديوهات خاصتك بصفحة بلدتنا وأشاركها مع أصدقائي وأصدقائك؟"
الخوف من
الفضيحة يفتك بها فتك، لن تواجه عائلتها فقط بل المجتمع أجمع ولا تفكر بشيء سوى
الموت لا توجد حلول أخرى بعقلها في هذه اللحظة.
ارتدت
مثلما أمرتها والدتها ومرت على حميد وبصوت ميت أخبرته
"أمك
تريدني أن أعود الآن"
أعتدل من
نومته الغريبة وغمغم بصوت بارد
"لا
بأس سوف أتي معك"
***
بدأت
العائلة بالنزول للأسفل والتجمع حول المائدة استعادت ياسمين شهيتها كثيرا خاصة بعد
الفرصة التي اتيحت لها بألا تختبئ بعد الآن تجلس الي جوار إبراهيم الذي لم يزيح
بعينه من عليها فالتفتت مرة واحدة تنظر له وهي تحشر قطع الخيار المخلل بفمها بلا
هوادة وابتسمت بخجل
"لا
يجوز أكل كل هذه الموالح"
"أنه
لذيذ جدا جدا تذوق"
رفعت
شريحة الخيار أمام فمه ولأول مرة لم يتهرب إبراهيم منها بل نسي نفسه وفتح فمه
وتذوق الشريحة
"لذيذ
اليس كذلك؟"
مسكر
هذا ما
فكر به إبراهيم ثم التفتت بعض من العيون تنظر لهم بغرابه من بينهم سميح ونعمات حتى
رحمة التي كانت نزلت بقوة الدفع من والدتها تحمل طبق سخيف للكشري وأختها نهي خلفها
ارتدت الفستان الذي تحافظ عليه للأعياد والمناسبات وتعتني بشعرها بأفضل ما يكون
علها تفوز بقلب الرجل الغريب وتخرج من هذا البؤس للأبد.
"أبراهيم!"
نظر كل
من ياسمين وإبراهيم لتوحة بينما سميح يطحن ضروسه ياسمين تتهرب منه بشكل واضح ولكن
تلتصق بإبراهيم وتبحث عنه بكل وقت!
لماذا؟!!
نظر إبراهيم
لتوحة وكأنه استفاق أخيرا وعاد في كرسيه
"أحم
أمري يا ست الكل"
تحدثت
وهي تجفف يدها بعد تحضيرها الطعام
"هل
تحدثت الي لمياء"
"أجل
أجل هي على وصول لا تقلقي"
أنهي سميح
مكالمته وذهب للجلوس على الفور إلى جوار ياسمين من يمينها
"ما
الذي تأكليه بهذا الشرة"
"خيار
مخلل"
نظرت له
نظرة مذنبه وهي تحشر أكبر قدر بفمها لأنه باعد الطبق عنها كانت أكيده من فعلته هذه
يتبع....